ثقافة وفنمجتمع

على الهامش … ( قصة قصيرة )

محمد نشوان / مكتب مراكش

لا يعرف كيف جيء به إلى هذا البلد و لا علاقته بأسرة الحاج التهامي هذا ، لا يجد أي تشابه بينه و بين الناس المحيطين به ، يحاول البحث عن ذاته ، عن تاريخه ، عن حقيقته في كل الوجوه التي يلتقي بها دوما و كلما بدا له أنه وصل إلى الحقيقة إلا و يجد نفسه في البداية …
شيء صعب أن يعيش الإنسان دون أن يعرف حقيقته وحقيقة وجوده ، فهو لا يعرف له أبا ولا أما ولا أخا ولا أختا ، لا قريبا ولا بعيدا ، لا يجد من يبالي به أو يكلمه أو يعاديه ، لا أحد يهتم به ، إنه حفنة متحركة من لحم وعظم ودم ولا شيء غير هذا …
و كل ما يعرفه هذا المسعود أنه فتح عينيه على قطيع الحاج التهامي وعلى أرض واسعة خضراء ، وكانت فرحته كبيرة يوم عين راعيا لهذا القطيع ، فقد وجد ـ ولأول مرة في حياته ـ من يهتم به ويكلفه بمهمة ، فكان كل عام يضاف إلى عمره ، تضاف فيه رؤوس أخرى وتصبح مسؤوليته تكبر …
مسعود لا يذكر جيدا كم من العمر قضى تابعا لهذا القطيع ، ولكنه يعلم جيدا أنه عمر طويل ، فهو عاش سنوات المحنة والجفاف بجانب قطيع الحاج ، كما أنه عاش سنوات الخير والبركة بجانب نفس القطيع ، لكن يبدو في الأيام الأخيرة أن مسعود بدأ يسأم هذا العمل وينفر من هذه المهمة . كثيرا ما يحدث نفسه بتحدي الحاج التهامي وكثيرا ما يحلم بالإبتعاد عن هذا السجن الفسيح ، فيلعن في خياله الحاج وأسرته وناس هذا الزمان !

ـ العالم كبير ، فلم أسجن نفسي ها هنا ؟
يحدث نفسه كثيرا ، ويود لو يجد من يحدثه ، أي إنسان، فقط يشاركه الحديث ، يبتسم له ، يبكيه ، يضحكه ،أي شيء المهم أن يكون إثنان ليكتمل الوجود ، وجوده الشخصي . مرارا يأتي الحاج يجده تائها في أفكاره ، غارقا في تخيلاته ، سابحا في بحر بلا حدود …
لم ير يوما البحر…
بل لم يخرج أبدا عن هذه البلدة ، ومع ذلك يحس ،يشعر بأن العالم كبير والله كبير وعصا الحاج التهامي كبيرة …
فأي حركة صادرة منه إلا وتقابل بالعصا وبشتائم الحاج التي تخدش أذن السامعين، وتجعل مسعود يكره اليوم الذي ولد فيه حتى وإن كان لا يعلم عنه شيئا .
ـ اسعد يا ابن الكلب ـ فالأنبياء كانوا رعاة ، لقد سخرني الله لأهبك هذه النعمة ! قالها الحاج وانصرف لمداعبة ابنته الصغيرة . ضحك مسعود ، وكان يود لو خاطبه بما كان يفكر فيه .
ـ ومتى كان أبناء الكلاب أنبياء ؟
لكنه فضل الصمت ، فصمته احتجاج وسكوته صرخة في فضاء هذا البلد ، لكن من يعرف لغة الصمت ؟ من يتكلم هذه اللغة الجميلة التي يستغني فيها الإنسان عن الكلمات والجمل والفواصل ، لا الحاج التهامي يتقنها ولا ناس البلد الذين لا يهتمون لصمت مسعود ، وحتى إن تكلم يوما فمن يسمعه! كان غالبا ما يردد آخر ابداعاته ، فكان يفرغ همومه في كلمات قليلة حفظها الناس من كثرة التكرار :
ـ أنا سارح مانا سويرح
وعصاتي على كتافي
والديب ما يدي شاتي
وزينة البنات
نهديها كساتي
مسعود أي اسم هذا ؟ و من كان وراء هذا الإختيار ، ومتى كان سعيدا من يعيش حياة بدون مفاجآت ، حياة كلب ينتظر ، هو دائما في حالة انتظار ، انتظار الذي قد يأتي ولا يأتي … مسعود يعيش في الظل ، ينام ، يستيقظ ، يأكل ، يخرج ، يرعى ، يستمني على أشياء جامدة وأحيانا متحركة ، يتابع نفس المسيرة كل يوم . مسعود مثل حشرة في مختبر ، تسلك نفس المسلك لتقتات فقط في انتظار التجربة …
مسعود ابن المسعود من لا يعيش حياة مسعود !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock