طارق بوفروج / مكتب برشيد
كلما أضأنا على تاريخ مستشفى الأمراض العقلية و العصبية ببرشيد ، كأننا أضأنا على تاريخ برشيد كلها . لقد تحولت مدينة برشيد في مرحلة التأسيس باحتضانها لأكبر مستشفى للأمراض العقلية على المستويين الوطني والقاري إلى مدينة غير عادية، حتى أصبحت دلالتها الإسمية تحمل في مضمونها شيئا من الجنون. فعلا، ارتباط المدينة في سمعتها وفي تطورها الإقتصادي و الإجتماعي بمستشفى الأمراض النفسية و العصبية جعل الكثيرين يعتقدون أن برشيد هو إسم المستشفى و ليس إسم المدينة. ولقد شبت هذه الحالة في دوائر النفوس و كبرت فاستحسنها أبناء المدينة و صارو معروفين عند غيرهم بأبناء المجانين تماما مثل الفرنسيين أبناء مدينة شارنتون التي تأوي أكبر مستشفى للطب العقلي و النفسي.
حقيقة الأمر ، للمستشفى كيانه و تاريخه الخاص المستقبل عند المدينة، يتداخل فيه ماهو طبي بما هو عسكري، فبعد إحتلال قصبة برشيد سنة 1908 من طرف القوات الفرنسية، تم تهيئتها لتلعب دور القاعدة الخلفية للقوات الإستعمارية. وهكذا شملت البنايات الجديدة المبنية على أنقاض القصبة حوالي 4500 متر مربع، بينما لم تتجاوز مساحة المباني القديمة التي تم ترميمها حوالي 1500 متر مربع فقط. وعندما طرحت مسألة الإستشفاء على الجيش الفرنسي ،تم إحداث مستشفى قروي مرتجل بعين المكان لمعالجة المصابين و المرضى من الجنود و الضباط في إنتظار نقلهم للعلاج بمستشفيات فرنسا، وبعد مرور سنتين أي خلال سنة 1910 كلفت الحكومة الفرنسية طبيبين في الطب العقلي وهما (لوروف و سيرو ) بزيارة ميدانية لأهم المدن المغربية و سجونها لإعداد تقرير على المجانين بالمغرب ، فتأكد لهما بأن خدمة المرضى و علاجهم بالمعنى العقلي منعدمين تماما بالمغرب . وقد عاين الطبيبان خلال البحث وجدو ثلاث أنواع من المجانين وهم كالتالي : الحمقى المهادنين الذين يعيشون على التسول في الهواء الطلق ويعتبرهم العامة أولياء صالحين و الحمقى المزعجون المحروسون في المنازل والمهددون عادة بالاغتيال من طرف محيطهم ، و الحمقى الخطيرون المحتجزون في المرستانات و السجون . في سنة 1926 أصبحت برشيد بسكانها البالغ عددهم 718 نسمة منهم 343 اوروبي و 171 يهودي و 98 مسلم ، تضم أول بناية عصرية لإيواء المستشفى الوحيد من نوعه المتخصص في علاج الأمراض النفسية و العصبية بالقارة الإفريقية يغطي حوالي 43 هكتار بينما المدار الحضري للمدينة لا يتجاوز في مجموعه 48 هكتار تقريبا ومند البداية ، عهد بإدارة المستشفى لرائد الطب العقلي بالمغرب الدكتور( دي مازل)، و اقتصرت الخدمات الإستشفائية على مداواة المرضى الأوروبيين دون سواهم . كانت النواة الأولى للمستشفى تتكون من خمس عنابر و غرفة عمليات قبل إحداث جناح خاص بالنساء الأوروبيات ثم شيدت دور سكنية لفائدة الطبيب رئيس المستشفى و المدير المقتصد ، و الممرضين و الممرضات الأوروبيات و في سنة 1931 أصبح المستشفى يتمتع بصفة المؤسسة العمومية ذات الشخصية المعنوية و الستقلال المالي و يتوفر على ميزانية ملحقة بلغت مداخيلها سنة 1952 حوالي 130 مليون فرنك فرنسي . وفي تلك الفترة ، شيدت عنابر جديدة مكنت من رفع القدرة الإستيعابية للمستشفى إلى 1000 سرير ،قبل أن تصبح 2000 سرير الشئ الذي مكن من توفير الخدمات الإستشفائية للمرضى الأوروبيين و المغاربة دون تمييز.