الحبيب المالكي يترأس الدورة الخامسة للولاية الثانية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
*كلمة الأستاذ الحبيب المالكي رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في افتتاح الدورة الخامسة من الولاية الثانية*
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السادة الوزراء،
السيدات والسادة الأعضاء،
السيدات والسادة ممثلو الصحافة،
أيها الحضور الكريم.
تلتئم الجمعية العامة لمجلسنا اليوم في دورتها العادية الخامسة، لتشكل محطة جديدة في عملنا، ولحظة للوقوف على الأهداف الجوهرية لسيرنا، ولتقديم الأشغال ذات الصلة بمسارنا المؤسساتي، والقيمة المتوخاة منا في نطاق ممارسة المهام المنوطة بنا.
السيدات والسادة الأعضاء.
خلال الدورة الأولى للمجلس، أحدثت جمعيتنا العامة لجنة مؤقتة تم تكليفها بإعداد مشروع التقرير السنوي عن حصيلة عمل المجلس وآفاقه، طبقا للمادة 5 من القانون المتعلق بالمجلس، التي تنص على أن المجلس يعد تقريرا سنويا عن حصيلة وآفاق عمله، يرفع إلى جلالة الملك ويوجه إلى رئيس الحكومة وإلى رئيسي مجلسي البرلمان.
وقد ارتأينا، كما ارتأت اللجنة المؤقتة والمكتب، أن يتجاوز تقريرنا مقاربة وصف حصيلة المجلس، عبر رصد أنشطته، إلى استيعاب أن التقرير وثيقة مرجعية مهمة، تعطي رؤية شاملة حول الفعل، وليس الأنشطة بمفهومها الكمي والكرونولوجي.
وقد حرصنا على توجيه مذكرة في هٰذا الشأن، تعبر عن تصورنا للتقرير الذي سنرفعه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وسنقدمه أمام البرلمان. مؤكدين على أنه:
أولا: وثيقة تتيح التواصل حول أداء المجلس، وحول إنجازاته لتحقيق المهمة الموكلة إليه في سياق الولاية الثانية، التي تتميز بالترصيد ومواصلة البناء في سياق مواكبة مسار الإصلاح، وبالتالي ضرورة استيعاب بنية ومضمون وتوقيت إصدار التقرير، في ارتباط بأثر وإسهام كل ذلك في إعمال الإصلاح، والتأهيل المتواصل للمدرسة المغربية.
ثانيا: تفادي التجميع الميكانيكي لمكونات تحكمها الكرونولوجيا، لفائدة مقاربة تراكمية ببعديها الزمني والموضوعاتي؛
ثالثا: التركيز على كيفية عمل المجلس، وإبراز مدى تملكه لرؤية واضحة توجه وتؤطر عمل هيئاته، لتحقيق أهداف مشتركة، وللاستجابة إلى تطلعات الولاية الحالية، مع إبراز المبادئ التي وجهت أنشطتنا بشكل عام، بما ينسجم واستراتيجية المجلس للفترة 2023-2027؛
إن الحاجة كانت قائمة للوقوف عند حصيلة القانون-الإطار 51-17، في إطار مواكبتنا اليقظة للإصلاح، وإدراج الخلاصات ذات الطابع النوعي التي تندرج ضمن رصد مكتسبات وتحديات إصلاح منظومة التربية والتكوين منذ صدور هذا القانون الملزم، خصوصا أن هذا التقرير السنوي هو أول تقرير سيصدره المجلس بعد صدور القانون الإطار سنة 2019.
وقد استحضرنا جميعا استقلالية المجلس، والمسافة التي يأخذها للتفكير في إعمال الإصلاح، كما استحضرنا السياقات الوطنية والدولية، وكذا الدور الخاص الذي يبرر وجود المجلس كمؤسسة من مؤسسات الحكامة.
وبالمناسبة، أود توجيه كامل الشكر لمعدي هٰذا التقرير، وكل المساهمين فيه، على مجهوداتهم، والتشاور والتنسيق المستمر، لكي تصب تصورات الجميع في نفس الاتجاه، وتكون على أعلى مستوى ممكن من الالتقاء. مع التنويه بجودة العمل الذي تم إنجازه، والذي هو معروض على أنظاركم اليوم.
السيدات والسادة الأعضاء
إننا خلال هٰذه الولاية، بفضل كافة الأعضاء والأطر والهيآت، وكذا علاقاتنا الإيجابية والمتميزة بسائر الأطراف المعنية بالتربية والتكوين والبحث العلمي، قد كسبنا جملة من الرهانات، حين اشتغلنا على ثلاث واجهات أساسية: استكمال هياكلنا الداخلية، والتفاعل مع طلبات الآراء المحالة عليه من قبل الحكومة، في إطار مهامنا الاستشارية، واستقراء حال الإصلاح بمكتسباته وتحدياته، ودورنا كقوة اقتراحية. فضلا عن أعمالنا التقييمية التي تضطلع بها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس.
إن المواكبة اليقظة لإصلاح التعليم، بمختلف مستوياته، ظلت ضمن أولويات المجلس، منذ انطلاق ولايته، وذلك من خلال تتبع مختلف الأوراش التربوية، والمشاريع الإصلاحية، سواء باستضافة المسؤولين الحكوميين، والاطلاع على برامج عملهم، والتفاعل معها، فضلا عن التفاعل مع القضايا والمستجدات التي عرفتها الساحة التربوية، في احترام تام للاختصاصات الدستورية للمجلس.
وعلى هٰذا الأساس، فإن المجلس، وهو يثمن كل المبادرات الإصلاحية المعتمدة، فإنه يؤكد على أن تسريع إعمال مقتضيات القانون الإطار، وأجرأة إطاره القانوني والتنظيمي، يعتبر ضمانة إضافية لاستدامة الإصلاح وتحصينه.
السيدات والسادة الأعضاء.
إن هٰذه الحصيلة الداخلية، وهٰذه المكتسبات على مستوى توفر رؤية واضحة لما ينبغي القيام به، والتي تعكسها استراتيجية المجلس، وخطة العمل المنبثقة عنها، وجهود اللجان على مستوى التفكير والبحث والاقتراح، لا يجب أن يغيب عنا استخلاص الدروس من تجربة سنة أولى من عمل المجلس، على مستوى كافة هيئاته التداولية والتنظيمية. لنكون بصدد مراكمة وترسيخ تقليد يعد من بين أجود الممارسات، وهو الوقوف عند التحديات الداخلية وتقاسم الانشغالات، والبحث عن تجويد أعمالنا.
وٱسمحوا لي من ٱستحضار بعض ٱلحاجيات ٱلأساسية:
أولا: تكثيف وتيرة عمل ٱللجان ٱلدائمة، خلال ٱلأشهر ٱلقادمة، قصد إتمام ٱلتزاماتها، وتحضير مشاريعها ٱلاقتراحية على ٱلوجه ٱلأمثل؛
ثانيا: ٱنكباب إدارة ٱلمجلس على استخلاص ٱلدروس على مستوى كافة ٱلهيئات ٱلتداولية وٱلتنظيمية؛ وذٰلك عبر:
تطوير ٱلآليات وٱلمنهجيات ٱلتي يشتغل بها ٱلمجلس، وخاصة منها تلك ٱلتي تتعلق بٱليقظة ٱلاستراتيجية، ٱلتي تشكل أداة لا محيد عنها للفعل على ٱلمدى ٱلبعيد؛
ٱلرفع من درجة ٱلتنسيق بين ٱللجان ٱلدائمة للمجلس، وبينها وبين ٱلهيئة ٱلوطنية للتقييم، وسائر مكونات ٱلمجلس؛
تعزيز قنوات ٱلتواصل مع كافة ٱلأطراف ٱلفاعلة ٱلمعنية بإصلاح منظومة ٱلتربية وٱلتكوين وٱلبحث ٱلعلمي؛
تفعيل ٱلاتفاقيات ٱلمبرمة بين ٱلمجلس وسائر ٱلشركاء، وجعلها مصدرا من مصادر تغذية ٱلمشاريع ٱلتي يشتغل عليها ٱلمجلس، خاصة لجانه ٱلدائمة؛
ثالثا: ضرورة ترسيخ مزيد من ٱلقيم وٱلأخلاق وٱلمسؤولية ٱلإدارية، وٱلغيرة على ٱلمؤسسة وٱلصالح ٱلعام؛ وهو ما يتطلب من كل مسؤول داخل ٱلمجلس أن يتصرف بكامل ٱلٱستقامة وٱلأمانة وٱلجدية.
السيدات والسادة الأعضاء.
بموازاة مع مشروع ٱلتقرير ٱلسنوي، سيتم خلال هذه ٱلدورة عرض تقرير أنجزته ٱلهيئة ٱلوطنية للتقييم، حول “ٱلمساواة في ٱلمنظومة ٱلتربوية”.
ويشجع سياق ٱلإصلاح ٱلحالي على إبراز ٱلبعد ٱلاستراتيجي للمساواة، كناقلة للتغيير في ٱتجاه ٱلمواطنة ٱلكاملة للنساء.
وتعزيز ما تم تحقيقه من مكتسبات، وما يسمح بقيادة متوازية لمسارين مترابطين، هما ٱلمساواة في ٱلحق في ٱلتعليم، وٱلتربية على ٱلمساواة.
ويشكل هذا ٱلتقرير مساهمة أولى من ٱلمجلس، في ٱلورش ٱلوطني ٱلواسع حول ٱلمساواة بين ٱلجنسين، في سياق يلتقي فيه مسار ٱلإصلاح ٱلجاري في منظومة ٱلتربية وٱلتكوين، مع مسار مراجعة مدونة ٱلأسرة ٱلتي أطلقها صاحب ٱلجلالة حفظه ٱلله، في 30 يوليوز 2022، وإعمالا كذلك للأحكام ٱلدستورية ٱلمتعلقة بحقوق ٱلمرأة.
وإن ٱختيار ٱلمساواة بين ٱلجنسين كتقرير موضوعاتي، ليصاحب تقريرنا ٱلسنوي، إشارة قوية لتعزيز كل ٱلمكتسبات ٱلمحققة، وإيلاء ٱهتمام خاص للدور ٱلذي ينبغي أن تلعبه “ٱلمدرسة ٱلجديدة” كناقلة للتغيير، في ٱلنهوض بثقافة ٱلمساواة. كما سيرافق هذا ٱلتقرير ٱلموضوعاتي تقرير حول “ٱلأطلس ٱلمجالي ٱلترابي حول ٱلنوع ٱلاجتماعي وٱلتعليم”، ٱلذي يقدم بيانات دقيقة تبين ٱلفوارق في ٱلولوج للتعليم بين ٱلجنسين عبر مختلف ٱلمستويات، بٱلتركيز أساسا على ٱلمنظور ٱلمجالي الترابي، وتسليط ٱلضوء على ٱلأقاليم وٱلجماعات ٱلتي تحتاج إلى جهود أكبر من أجل تعزيز ٱلتكافل بين ٱلجنسين في ٱلولوج إلى ٱلتعليم.
السيدات والسادة الأعضاء.
إن ٱلطابع ٱلإستراتيجي لعلاقة ٱلمجلس مع ٱلسلطات ٱلحكومية ٱلمشرفة على ٱلشأن التربوي، يفرض إيلاء هذه ٱلعلاقة ما يستلزمه من عناية خاصة؛ خصوصا أننا نتقاسم نفس ٱلغاية، وهي ٱلنهوض بٱلمنظومة ٱلتربوية وتحديثها.
وأشكر زملائي ٱلوزراء، على تفاعلهم ٱلدائم مع دعوات ٱلمجلس. وأكيد أن تقديم عرض حول نتائج ٱلدورة ٱلعادية للامتحان ٱلوطني ٱلموحد لنيل شهادة ٱلبكالوريا، وإجراءات ضمان سير ٱلامتحانات، في ظل ٱلظروف ٱلاستثنائية لهذه ٱلسنة، سيكون فرصة ثمينة لتعزيز ٱلحوار ٱلمسؤول.
السيدات والسادة الأعضاء.
أود في ٱلختام، أن أتقاسم معكم بادرة ٱلمجلس، ٱلتي ٱستقبل من خلالها بعض ٱلتلامذة ٱلمقدسيين، ضمن برنامج مشاركة ٱلمجلس في فعاليات ٱلمعرض ٱلدولي للنشر وٱلكتاب، بتعاون مع وكالة بيت مال ٱلقدس. وقد أكدت باسمكم على دلالة ورمزية هذه ٱلزيارة، وما يطبعها من قيمة إنسانية أخوية، يتقاسمها ٱلشعبان ٱلفلسطيني وٱلمغربي، موضحا بأنها “أحد أشكال تضامننا مع ٱلشعب ٱلفلسطيني ٱلأبي، لما يتعرض له من احتلال وإبادة جماعية، ودعم معنوي لهؤلاء ٱلأطفال، ومناسبة لهم للتواصل وٱلانفتاح على ٱلتلاميذ ٱلمغاربة، ٱلذين تشكل لهم ٱلقضية ٱلفلسطينية كعامة ٱلشعب ٱلمغربي، قضية مبدئية ومصيرية”.
أتمنى لأشغال دورتنا كامل ٱلنجاح وٱلتوفيق، وٱلسلام عليكم ورحمة ٱلله وبركاته.