نساء مغربيات رائدات….الزهراء الكوش فقهية وعالمة متصوفة.
سماح عقيق / مكتب مراكش
العذراء الزهراء الكوش، فقيهة وعلم من أعلام التصوف المغربي، خلال القرن الحادي عشر الهجري في بلاد المغرب الأقصى، وتذكر الراويات أنها كانت حسنة المظهر إلا أنها لم تتزوج قط وأعرضت عن ذلك، ولهذا اشتهرت بلقب «العذراء» حتى توفيت وضريحها شهير بمراكش على أعتاب جامع الكتبية.
ولدت بمدينة مراكش، والدها الشيخ المجاهد سيدي عبد الله الكوش، الذي واجه البرتغاليين، ووالدتها من فاس وعاشت زهراء في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر الميلادي نشأت في بيئة صوفية جزولية، وتشبعت بمبادئ وقيم والدها وزاويته، التي كان فرعا من مجموعة زوايا جزولية فرعت عن الزاوية الأم لصاحبها محمد بن سليمان الجزولي.
أخذت عن أبيها عبد الله الكوش، الذي لقنها أصول الشريعة الإسلامية والفقه وهو شيخها في التربية الروحية والصوفية، كما تأثرت بشخصيات نسائية زاهدات متصوفات، من عصرها وكانت تقطن على مسافة قريبة من جامع الكتبية في مراكش.
تقول الروايات أن والدها كان يطعم ألفين ومئتي شخص، فاشتهر بين أهل مراكش بالكرم، الشيء الذي جعل السلطان السعدي زيدان بن أحمد المنصور يحتاط منه، وكانت زهراء الكوش تقيم حلقات نقاش بين النساء وتحدثهنّ عن مزايا الجهاد، وسرعان ما بلغ صيتها إلى قصر السّلطان، وكانت أولى خطواته طلب المصاهرة، ولما رفضت زهراء الزواج من السلطان تعرضت لمحنة الاعتقال والسجن، إلى أن تدخل مجموعة من الفقهاء والأعيان ليطلق سراحها، دبر السلطان لوالدها مكيدة الإجهاز على املاكه بداعي التهرب من آداء الضرائب، وقام بنفيه إلى مدينة فاس، بعد رفضه فرض إحدى الضرائب الجديدة على الزوايا في عصره ضمن ما يعرف ب«امتحان الزوايا».
اشتهرت الزهراء بكثرة الصلوات والأذكار والصدقة، وتصنف في الأوساط الصوفية بين أولياء الله المتبعين، والنساك الصادقين، العارفين ورفضها الزواج من السلطان وتفضيلها لقب «أمة الله» عوض زوجة السلطان زاد من شهرتها.
ونسَجت المخيلة الشعبية حولها أساطير وقصص، إذ يقال إنها تتحول ليلا إلى «حمامة»، تنشر السّلام في مدينة مراكش والنواحي، ووجودها بالقرب من مسجد الكتبية، جعلها تحمل لقب «حمامة مراكش» وقد تناولت الشاعرة الفرنسية كلود كولييت سيرة الزهراء وزارت مراكش مرارا وتردّدت على ضريحها، وأعادت صياغة قصتها في قالب شعريّ، وتجربتها الصوفية تبق فريدة، حيث يقول الباحث فريد الزاهي:
«”تقدم لنا التجربة الصوفية ،صورة أخرى من صورة هذه الثنائية التي نحاول اكتناه مدلولاتها، فالتصوف تجربة للتعالي والتجرّد من الوسائط الطبيعية. لذا ليس من الغريب أن تتحول المرأة إلى كيان مقدس بدخولها التجربة الصوفية، التي من خلالها تتجاوز وضعيتها الدونية في التراتبية الوجودية،يكفي في هذا المضمار النظر إلى القيمة التي اكتسبتها المتصوفة الأولى “رابعة العدوية” في الحقل الثقافي العربي لكي يتبدى لنا أن المستوى الرمزي كفيل بتحرير الاجتماعي من مقدماته ونتائج، وقد عرف المجتمع العربي الكثير من المتصوفات اللواتي كن يتحولن إلى كيانات مُجاوزة للذكورة والأنوثة زهدا وتعبدا ومجاهدة في النفس. وتذكر المصادر مثالا على ذلك في المغرب “زهراء بنت الولي سيدي عبد الله الكوش…”»
توفيت سنة 1027 هـ ودفنت بزاوية والدها الشيخ سيدي عبد الله الكوش التي سبق وان قام السلطان محمد الشيخ السعدي بنفيه منها، وضريحها يوجد بجوار الكتبيين بقبته البيضاء الفريدة وهو مغلق اليوم.