أخبار

ماء الحياة.

قصة قصيرة
مكتب مراكش / محمد نشوان.
———–
في الجهة المظلمة من حارتنا ، ناس تهزم الحياة بماء الحياة ،تغني ، ترقص ، تتألم ، تقاوم …
في حارتنا كل الأشياء صالحة للبيع ، كل ما يخطر على بال انسان ، خبز يابس ،قنينات زجاجية أو بلاستيكية ، متلاشيات ، خردة مهملة …هياكل آدمية بأسمال بالية . بائعو مأكولات رخيصة ، بائعو سجائر بالتقسيط ، بائعات الهوى و بالتقسيط المريح . عالم عجائبي ، غرائبي و بامتياز … و أنا وسط هذه الفوضى ، تائه أبحث عن حبل نجاة ، عن شعاع ينير طريقي …
الحارة بمن فيها و ما فيها مليئة بكل أنواع البؤس ، و نحن هنا صامدون ، باقون ، نهزم الحياة بماء الحياة ، نضحك ، نبكي ، نتألم، نتعارك ، نفعل المستحيل للبقاء أحياء . و مسؤولو مدينتنا ـ أكرمهم الله ـ أحاطوا حارتنا بجدار إسمنتي ، و رسموا على واجهته لوحات و خربشات لإخفاء ما بالداخل ، ربما أرادوا بإبداعهم هذا ، عزل هذا البؤس البشري ، و لو إلى حين ، و نحن هنا باقون ، صامدون ، نضحك من الحياة بماء الحياة .
يبدأ ليلنا المخمور بالضحك و الغناء ثم ينتهي بالنحيب و البكاء على الأحباب و الأصحاب ، على سوء الطالع و على مرارة التهميش.
يتكلم مصطفى أصغرنا و أعقلنا ليبين لنا أن الخمر يشفي المكلوم و ينصر المظلوم و ينعش آمال المحروم ، ولا ضير إن بالغنا في شربها و لو كانت مغشوشة .
كريمو مشاغب الحارة ، تحدث و أفاض ، و قال كلاما كثيرا لم أعد أذكر منه إلا القليل : ماء الحياة يا رفاق ، إبداع محلي ، إنتاج عبقري غايته تشجيع الانتاج الوطني ، و محاربة المنتوجات الاجنبية ، اجتهاد مقبول في زمن كثرة الفتاوي و الإجتهادات .
حائط حارتنا ، بمثابة صحيفة يومية ، نكتب ، نعبر ، نشتم بقاموس قل نظيره في لغات العالم الأخرى ، نخترع كلمات في السباب لم تعرفها لغة إنس و لا جن …
تخرج الكلمات من أفواه السكارى ، بشكل مستفز يجعلك تشعر أننا نتقيؤها.
ليل حارتنا لا ينتهي إلا ليبدأ ، وحده الشعر يكسر برودة ليالي مراكش ، كنا نتفاخر بحفظنا لأبيات من شعر عنترة بن شداد و ترديد أغاني الغيوان .
“لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم
و جهنم بالعز أطيب منزل”
تدور الرؤوس بالتي كانت هي الداء، نتكلم في كل المواضيع ، و في الصباح ننسى كل شيء …
هذه الليلة ، كانت ليلة استثنائية ، فقد كان ـ عزيز أو عزيزة كما يحلو لنا أن نناديه . هو أنيسنا ، واحد من أبناء حارتنا ، أغرب ما فيه هو أنه جمع بين الدلال الأنثوي و الصوت الذكوري ، و ما أجمل أن يجتمع النقيضين في جسد واحد و روح واحدة ، كان عزيز يتقن الأغاني الإسبانية ، يسافر بك عبر الزمن إلى قرطبة ، تلعب الخمرة برأسه ، فتصبح ملامحه صارمة ، يقف بقامته الممشوقة يضرب الأرض بقدميه ، و يؤدي رقصة الفلامنكو تتناغم حركات الأقدام و الأيادي … يتدلل ، يتبختر ، ماريا باخيس بثوب مغربي، يتحدى قانون الجاذبية ، قدماه تدك الأرض بشكل عصبي ، وحده يتقن هذه الأشياء إنه من عالم آخر ، يتحدانا جميعا بقدرته على فعل المعجزات ، هكذا هو عزيزة …
و هكذا هي حارتنا تهزم روتين الحياة بماء الحياة و نحن نرقص ، نغني ، نتألم ، نقاوم و نقاوم
محمد نشوان مراكش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock