دردشة صيف مع الدكتور حسن الوزاني مواقف وأفكار ( الحلقة السابعة )// بقلم الدكتور علي الخامري

الدكتور علي الخامري أستاذ جامعي // مكتب مراكش
الحلقة السابعة :
من باب الدأب كنت أعمل على نشر مقالات خفيفة تناسب زمن الصيف ، تتوخى التعريف ببعض المنجزات الفكرية العامة التي تتحدث عن مجريات الفعل السياسي المغربي إبان فترة الحماية والاستعمار وطلائع أزمنة الاستقلال .
في صيف السنة الماضية ( 2022م ) قضينا أوقاتا ماتعة مع مؤلف الأستاذ أحمد بن سودة : ( حديث المفتي ) وفي صيفنا هذا سنواصل المسير برؤية تتكامل ، وتجمع الحِقَب الزمنية المتتالية ، وسنخصص حديثنا فيه لعلَم فَذٍّ من أعلام الفكر والسياسة الوطنية على مدى سنوات الحماية والاستقلال ، والمقصود هنا هو الأستاذ محمد حسن أو بلحسن الوزاني رحمه الله ( 1910 \ 1978م ) .
الحلقة السابعة : الأجرأة العملية : مبحث نقد الديمقراطية الغربية
قلت في الحلقات السابقة إن الوزاني رحمه الله لم يقف يوما موقف الانبهار إزاء كل الأفكار التي تمس موضوع الدستور ، ولاسيما ما اطلع عليه ، وكانت له به معرفة عميقة من جهة الثقافة الدستورية الغربية ، وهذا ما يجعل أفكاره تتوفر على كثير من المصداقية ، وتحوز التقدير والاعتبار اللازمين ، فالرجل كان يقرأ ويحلل ، ويقف على الإيجابيات والسلبيات ، ثم بعد ذلك يختار ما يتلاءم مع ميولاته وتصوراته ، وما يصلح في نظره لبلده .
ومن الحقائق الأولى الدالة على نهجه هذا أن نقده للديمقراطية الغربية كان شاملا للنمطين السياسيين الكبيرين : النمط الرئاسي ، والنمط البرلماني ، يقول في تعميم له نقلا عن كتاب الدكتور علي حسني : ( محمد حسن الوزاني وإشكالية البناء الديمقراطي 1947 – 1978م : ( فحتى أولئك الذين ما يزالون يمتلكونها ليسوا براضين عنها ، وينتقدون عليها أنها انحطت ومسخت فآلت إلى مجرد تملق سياسي ” ديماغوجية ” وإلى حكم قلة من المسيطرين ” أوليغارشية ” ….. وهكذا لا يجني الشعب من وراء ذلك إلا الخيبة كلما شاهد أن المنتخبين بأصواته ليسوا بنوابه الحقيقيين ، ولا بالناطقين المخلصين عنه ، ولا بخدامه الأوفياء ، ولا بالمدافعين عنه الصادقين ) .
هذا الموقف استرعى انتباهي من زاويتين أساسيتين :
الزاوية الأولى تخص الإدراك المبكر للممارسة الديمقراطية الغربية وقد قدمت للعالم على أنها منجز حضاري عام ، فيه الخلاص لكل شعوب العالم ، وفيه الصلاح لكل الشعوب .
الزاوية الثانية جرأة محمد الوزاني في تصوير موقفه الرافض وبهذا الوضوح ، والاستماتة المستمرة للدفاع عنه في زمنه ، وهو ما يؤكد على نزاهة الوزاني الفكرية ، وفهمه العميق للتجربة الغربية التي انبهر بها غيره .
اتجاه التحليل عنده توقف طويلا عند مفهومين كبيرين :
المفهوم الأول هو ما سماه بتمثلية الشعب المرجوة في نظام الديمقراطية الغربية ، واتكأ في تحليله على أهم خاصية يستند عليها الفعل الديمقراطي لدى الغربيين ، ونعني نظام الاقتراع الفاقد لشرط الإجماع المأخوذ من دلالة شمولية لفظ ( الجميع ) أو لفظ النخبة المعتبرة سياسيا على شرط فهم الوزاني ، فقد لاحظ أن الناخبين يتفرقون وفق ميولاتهم أو انتماءاتهم ناهيك عما يمكن أن يقع من بيع وشراء وتزوير خلف الكواليس وتبعا للمصالح الذاتية للمشاركين ، يقول : ( إن ما يكنى بالتمثيل الشعبي والإرادة الشعبية إنما هو أمر بعيد الغلو والإفراط ، وفي معظمه زائف وباطل …) .
ولإظهار رأيه بأدلة ملموسة وواقعية وقف وقفة متأنية إزاء دستور فرنسا سنة 1958م ، وأخذ عليه أن ما يسمى بالأقلية التي تمثل المعارضة ( مستكينة ومضعضعة ومكرهة على الهزيمة في حلبة الصراع البرلماني الذي قلما تتاح له الفرص المؤاتية بسبب الوضع الأساسي للبرلمان الذي يتجلى في كيان غير متوازن ، لأنه قائم على أغلبية عددية ساحقة ، وأقلية مغلوبة على أمرها مهما حاولت وعملت ) .
المفهوم الثاني هو قريب ومتداخل مع المفهوم الأول لأنه يتطرق لمعضلة الأكثرية والأقلية في الديمقراطية الغربية ، ويحكم عليها بالفساد والبطلان انطلاقا من اعوجاج ما سماه ( بالنظرية الأصلية في النظام الديمقراطي والبرلماني كما يسود ويمارس اليوم ) .
وأساس الإشكال عنده يعتمد على رأي موريس ديفيرجيه وهشاشة العامل الثقافي الذي يحمي من التدليس ( فانعدام الثقافة لدى السكان الأميين لا يسمح لهم بأن يفهموا المشاكل السياسية ، ولهذا يجعلها الحرمان من الثقافة قابلة للانفعال بجميع التأثيرات ولسائر الديماغوجيات…..) .
هنا أؤيد ما ذهب إليه الدكتور علي حسني في كتابه المذكور أعلاه حين أشار إلى عوامل أخرى مانعة من حصول ما يريده الوزاني ، ويصرح بأن ( المستفيدين من الديمقراطية هم صانعوها ، أي النواب المنتخبون ) .
وأريد أن أضيف وأعقب قائلا : الصورة التي يحملها الوزاني عن الديمقراطية يستحيل أن تكون لها ممارسة على أرض الواقع لارتبارطها بعوامل متجذرة في الإنسان ، وتصاحبه دائما ، فالأمية على سبيل المثال لا ينبغي الوقوف عند معناها التقليدي وهو الجهل ، وإنما هناك أميات عديدة في المجال السياسي ، فبالإضافة إلى الجهل هناك الفقر ، وهناك الكذب والتزوير ، وهناك العزوف والانصراف عن الشأن السياسي واللامبالاة إزاءه ، وهناك التحكم الأولي في النتائج من مختلف المؤثرين….وهناك…..وهناك…
وهذا الوضع لا يخص مجتمعا دون مجتمع ، فحتى الدول التي تنعت بالديمقراطية غير واثقة ، أو مقتنعة بأفعالها ، وغير جازمة بعدل إجراءاتها بنسبة النزاهة المطلقة التي يبحث عنها الوزاني ، ويعتبرها شرطا أصيلا للعمل الديمقراطي المرجو ، وكذلك هي غير معصومة من طرق التدليس ، وسيطرة جماعات الضغط والنفوذ والمال ، ولعلني أتلاقى بهذا مع موقف الوزاني من جهة البحث عن ديمقراطية خالصة من الشوائب ، ومحصنة من تدخلات المغرضين وتوجيهاتهم المختلفة والماكرة ، وأختم بحصيلة مقتضبة وجميلة أشار إليها الدكتور علي حسني ( فالديمقراطية كما قال كاتب سياسي لم تصل في نهاية الأمر إلا إلى تحطيم نفسها وتعرضها للتجريح المتزايد ، وانعدام التطور الموجه توجيها معينا ) .
( يتبع )