أخبارمجتمع

الكلمة الإفتتاحية لليوم الدراسي حول مقاربة النوع في المنظومة التربوية

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على أشرف المرسلين

السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة

السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

حضرات السيدات والسادة

يسعدني أن أرحب بكم في هذا اليوم الدراسي الذي ينظمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول موضوع مقاربة النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية، هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية خاصة في برامج السياسات العمومية، ويكرس ما نطمح إليه لتعزيز مأسسة هذه المقاربة، وضمان المساواة بين الجنسين، وجعلها رافدا في إقرار وضعيات عادلة ومنصفة.

وأود في بداية هذا اللقاء، أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على حرصهما المشاركة في هذه الندوة الهامة. وهو ما يعكس الاهتمام المتواصل الذي توليانه بصفة خاصة لأشغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

وأريد كذلك أن أغتنم هذا اللقاء لأنوه بعمل أعضاء اللجنة العلمية، وكذلك بضيوفنا الكرام من مفكرين وأساتذة وباحثين، على تلبية دعوة المشاركة في هذه الندوة. وأكيد أن مساهمتهم في هذا اللقاء ستمكن من تسليط الضوء على جوانب متعددة من التحولات المقبلة في منظومتنا التربوية، من منظورات مقاربة النوع الاجتماعي.

حضرات السيدات والسادة

إن تنظيم ندوة حول مقاربة النوع الاجتماعي في المجال التربوي، يندرج في إطار التساؤل حول الرؤى والمفاهيم المتعلقة بتحقيق الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع علاقة بمنظومة التربية والتكوين؛ انطلاقا من سؤال محوري، حول قدرة المدرسة المغربية على القيام بوظائفها في التنشئة الاجتماعية وترسيخ قيم الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين. ذلك أن هذا الموضوع يكتسي أهمية خاصة بالنظر للعلاقة الوطيدة والمتعددة الجوانب بين المدرسة والمجتمع.

من جانب آخر، إن مسلسل الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي انخرطت فيها بلادنا منذ عدة سنوات؛ يعطي لهذا الموضوع أولوية خاصة، نظرا لراهنيته، ليس فقط بالنسبة للمنظومة التربوية، بل للمسار التنموي ككل. ويكفي التذكير في هذا المجال بالإصلاحات الدستورية المعتمدة منذ 2011 التي كرست مرجعية حقوقية متقدمة مرتكزة على ثوابت الأمة ومنفتحة على القيم الكونية، وفي مقدمتها ترسيخ قيم الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وتأكيدا لهذا التوجه، نص الدستور في الفصل التاسع عشر على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، طبقا للمقتضيات الواردة في هذا الشأن.

وفيما يخص مقاربة النوع، اعتمد المغرب المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن ضمنها تلك التي تكرس محاربة كل أشكال التمييز التي تتعرض له المرأة، وإرساء المساواة بين الجنسين. ويندرج في هذا السياق ورش إصلاح مدونة الأسرة الذي أطلق مؤخرا، بهدف ملاءمة بعض مقتضيات التشريعات الخاصة بالأسرة مع التصورات الحقوقية الجديدة المواكبة لتطورات المجتمع في هذا المجال.

وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة على المستوى القانوني والتنظيمي وحتى الإجرائي في إطار مقاربة النوع الاجتماعي، تبقى النتائج المحققة في هذا المجال محدودة نسبيا، باعتبار الفجوة التي ما تزال قائمة بين مقتضيات النصوص القانونية وإكراهات الواقع المجتمعي بكل تجلياته. ذلك أنه غالبا ما تواجه الدعوات إلى تفعيل مبادئ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص جملة من المعيقات ذات الطابع الثقافي أو السوسيو- اقتصادي، والتي تحد من الفرص والإمكانيات المتاحة للمرأة داخل المجتمع. وكمثال على ذلك ما نلاحظه من محدودية وصول المرأة إلى مراكز القرار وضعف نسب تمثيليتها في الأنشطة والمؤسسات الفاعلة، وحصرها في أدوار اجتماعية نمطية لا تناسب المكانة التي يجب أن تتبوأها كفاعلة أساسية في المسار التنموي.

حضرات السيدات والسادة

وبالرجوع إلى المنظومة التربوية موضوع هذه الندوة، اتخذ المغرب مبادرات متعددة لتفعيل مقاربة النوع في المجال التربوي طبقا للالتزامات الوطنية الخاصة بالسياسات العمومية في هذا الشأن. وتستند هذه المبادرات، فضلا عن الإطار العام الذي تحدده المقتضيات التشريعية ذات الصلة، إلى توصيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي 2015 – 2030 التي أكدت على إشاعة قيم العدل والإنصاف وتكافؤ الفرص كرافعات أساسية للنهوض بالحقوق والمساواة بين الجنسين. كما تستند هذه المبادرات إلى القانون الإطار 51 / 17 الذي يحدد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والأهداف الأساسية لسياسة الدولة في هذا المجال، والتي اعتمدت كذلك في توجهات النموذج التنموي 2021 – 2035.

وعلى هذا الأساس، حرصت برامج السياسات العمومية في المجال التربوي على نهج مقاربة مندمجة تتوخى الدفع بالإنصاف والمساواة وتحقيق شروط تكافؤ الفرص بين الجنسين، مع نبذ كل أشكال التمييز ومظاهر العنف ضد العنصر النسوي.

ومن جملة التدابير المتخذة في هذا الشأن، تجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى الإجراءات الهامة المتخذة للرفع من نسب التمدرس عند الفتيات مع تقليص مؤشرات الهدر المدرسي في الوسط القروي، بالإضافة إلى القضاء على الفوارق بين الجنسين في الولوج إلى التعليم. كما تشمل هذه الإجراءات تحسين البيئة المدرسية وتقديم الدعم النفسي والبيداغوجي لصالح التلميذات، بالموازاة مع برامج الدعم الاجتماعي المخصصة للفتيات المعوزات.

واعتبارا لأهمية هذه التوجهات الرامية لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للإنصاف والمساواة في المجال التربوي، فإن المجلس بصدد القيام بدراسة تقييمية لبحث مدى التطور الحاصل في المنظومة التربوية من منظور مقاربة النوع الاجتماعي. وستهدف هذه الدراسة بالأساس إلى تسليط الضوء على التقدم المحرز في العقود الأخيرة من حيث الإنصاف والمساواة بين الجنسين في النظام التربوي، كما ستهدف إلى تقييم مدى النقص ونوعية التعثرات التي تواجه التدابير المتخذة في هذا المجال.

كما ستعمد هذه الدراسة لتحليل مقاربة النوع الاجتماعي في مجال التعليم، ومن ضمنها تحليل نظرة المجتمع للنوع الاجتماعي في التعليم وإشكالية الفوارق بين الجنسين فيما يخص الولوج إلى التمدرس، ونسب الهدر المدرسي ومحددات المناخ المدرسي، بالإضافة إلى مسألة تكافؤ الفرص في التعليم العالي ومؤشرات الأداء الخارجي للنظام التربوي، وتقييم المكتسبات ومستوى التحصيل، والأداء الخارجي لنظام التعليم من منظور النوع الاجتماعي.

حضرات السيدات والسادة

تأسيسا على ذلك، دائما ما ندعوا في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إلى ضرورة الإدماج الفعلي لمقاربة النوع الاجتماعي بشكل فعال على أرض الواقع، وتوفير الشروط الملائمة لإعمال هذه المقاربة. وخاصة الشروط الكيفية التي توظف بها مسألة النوع الاجتماعي في الأنظمة والبرامج التربوية، إضافة إلى طريقة تناول إشكالية المساواة والإنصاف في المناهج والأدوات البيداغوجية، فضلا عن السلوكيات ونوع العلاقات التي يجب أن تسود داخل الفضاء التربوي.

إن طرح هذه التساؤلات حول كيفية التنزيل الفعلي لمقاربة النوع الاجتماعي يشكل المحور الأساسي لهذا اليوم الدراسي. ويدعونا للتفكير في الوسائل الكفيلة للدفع بالتحولات الدالة في المنظومة التربوية، بما يعزز المساواة وتكافؤ الفرص.

وفي الختام، أريد أن أجدد لكم شكري على حضوركم ومساهماتكم القيمة في هذا اللقاء، وأتمنى لأشغالكم كامل التوفيق.

و السلام عليكم ورحمة الله

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock