هيئة التحرير
مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تشهد المنطقة تغييرات جيوسياسية تُلقي بظلالها على شمال إفريقيا، وخصوصًا على الجزائر، التي تواجه تحديات متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويعيد هذا التطور المفاجئ ترتيب الأولويات الاستراتيجية للدول ويُبرز تأثيره المباشر على التحالفات السياسية والاقتصادية في المنطقة.
ويجد النظام الجزائري، الذي طالما كان حليفًا تقليديًا لدمشق، نفسه الآن في مواجهة عزلة متزايدة.
فعلى مدى عقود، اعتمدت الجزائر سياسة تقوم على دعم الأنظمة التي تتحدى التوجهات الغربية والإقليمية السائدة، وبرز دعمها لجبهة البوليساريو كعامل رئيسي في هذا السياق.
ومع انهيار النظام السوري، يتضح أن سياسات الجزائر الخارجية قد تصبح هدفًا لانتقادات أشد من جانب المجتمع الدولي.
وتأتي هذه الأحداث في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على الجزائر لإعادة النظر في موقفها من قضية الصحراء المغربية.
ومن الجدير بالذكر أن المغرب نجح في السنوات الأخيرة في تحقيق تقدم دبلوماسي كبير في هذه القضية، حيث نالت مبادرته للحكم الذاتي دعماً دولياً واسعاً، وأصبحت محوراً لمقاربات الحل داخل الأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن يعزز المغرب هذه الديناميكية في ظل انشغال الجزائر بمحاولة إدارة تداعيات سقوط نظام الأسد.
علاوة على ذلك، فإن هذه التغيرات تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتعاون الإقليمي في مواجهة التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية وتغير المناخ.
وبينما يواصل المغرب بناء شراكات إقليمية ودولية قوية، بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا جنوب الصحراء، تجد الجزائر نفسها عالقة في سياسات انفرادية تجعلها أقل قدرة على التأثير في هذه الديناميكيات.
وفي السياق ذاته، يمثل سقوط نظام الأسد تحذيرًا واضحًا للنظم التي تعتمد على سياسات مغلقة وغير متكيفة مع التحولات العالمية.
فالأنظمة التي تفشل في مواكبة التغيرات السياسية والاجتماعية غالباً ما تجد نفسها في مواجهة اضطرابات داخلية وخارجية، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع نفوذها على الساحة الدولية.
وتبدو هذه الرسالة أكثر إلحاحاً بالنسبة للجزائر، التي تشهد توترات سياسية داخلية تترافق مع تباطؤ اقتصادي يعمق من أزماتها.
وعلى الرغم من أن الجزائر قد تحاول الالتفاف على هذه التحديات من خلال تعزيز علاقاتها مع شركاء مثل روسيا أو الصين، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يظل محل شك، خاصة في ظل تنامي الاهتمام الدولي بأفريقيا واستراتيجياتها التنموية التي تتطلب تعاونًا أكثر شمولًا وانفتاحًا.
وفي هذا السياق، فإن مواقف الجزائر من القضايا الإقليمية، وخاصة دعمها للبوليساريو، ستجعلها في مواجهة مستمرة مع أغلبية الدول الأفريقية التي تدعم وحدة الأراضي المغربية.
وهكذا، فإن سقوط نظام الأسد لا يشكل فقط نقطة تحول في الشرق الأوسط، بل يمتد تأثيره إلى شمال إفريقيا، حيث يضع الجزائر في موقف أكثر عزلة.
ومع تغيّر التحالفات وتنامي المطالب الدولية بحلول مستدامة للنزاعات الإقليمية، تبدو الحاجة ملحة لأن تعيد الجزائر تقييم سياساتها الخارجية وتختار بين العزلة المستمرة أو الانخراط في ديناميكيات التعاون الإقليمي.