بيان بمناسبة اليوم الدولي للتغطية الصحية الشاملة
يخلد العالم خلال 12دجنبر من كل سنة اليوم الدولي للتغطية الصحية الشاملة، وهي مناسبة يجدها المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان فرصتا لتسليط الضوء على ما يتعلق بورش تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة، مع إبراز الهفوات والتحديات البنيوية التي لا تزال تعيق تحقيق العدالة الصحية والاجتماعية المنشودة.
وتُعد التغطية الصحية الشاملة إحدى الركائز الأساسية للحقوق الاجتماعية والإنسانية المنصوص عليها في التشريعات المغربية.
حيث ينص الفصل 31 من الدستور المغربي على مسؤولية الدولة في ضمان الحماية الاجتماعية والصحية لكل المواطنين، عبر تيسير الولوج العادل للخدمات العلاجية والوقائية، حيث يعتبر هذا الفصل مرجعاً أساسياً لدعم السياسات الوطنية المتعلقة بالصحة والتي من ضمنها الظهير الملكي رقم 1.21.30 بتاريخ 23 مارس 2021 لتنفيذ القانون الإطار رقم 09.21 بشأن الحماية الاجتماعية، الذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية لتشمل جميع المواطنين، بمن فيهم الفئات الهشة والمعوزة.
كما تجدر الإشارة إلى أن المغرب هو واحد من الدول التي خطت خطوات مهمة في المسار الاتفاقي وصادق على اتفاقيات دولية تضمن الحق في الصحة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما وجب التذكير ان المغرب سبق له ان انخرط في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، لا سيما الهدف الثالث المتعلق بضمان حياة صحية وتعزيز الرفاه للجميع.
لقد استطاع المغرب خلال السنوات الأخيرة ان يوسع نطاق المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض (AMO)، إذ انتقل عدد المؤمنين من 7.8 مليون إلى أكثر من 23.2 مليون مستفيد خلال فترة وجيزة، تشمل العاملين غير الأجراء، والفئات المعوزة، وذوي الدخل المحدود.
كما خطا خطوات مهمة في اتجاه إدماج أكثر من 4 ملايين أسرة كانت مسجلة في نظام المساعدة الطبية (RAMED) في نظام التأمين الإجباري عن المرض، مع الحفاظ على مكتسباتهم السابقة، وتحسين طفيف في البنية التحتية للتغطية الصحية، من خلال تعزيز الهيكلة الإدارية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) عبر إحداث مديريات جديدة متخصصة في الشؤون الصحية، وافتتاح مراكز جديدة للتسجيل وتوسيع التغطية الجغرافية عبر إحداث وكالات متنقلة، بالإضافة إلى إحداث لجان وزارية وتقنية لتتبع وتنفيذ مكونات مشروع التغطية الصحية الشاملة، مما ساهم في تحقيق نقلة نوعية على مستوى التنسيق والتسيير.
رغم الجهود المبذولة، التي تطرقنا الى بعضها فإنه لا يزال ورش التغطية الصحية الشاملة في المغرب يواجه مجموعة من التحديات التي تهدد استدامته والتي من ضمنها ضعف التمويل، حيث تعتمد استدامة المشروع على تحقيق توازن بين الموارد المالية والنفقات، إلا أن الاعتماد الكبير على الاشتراكات الفردية وعدم وضوح آليات التمويل يثير تساؤلات حول قدرة النظام على تحمل الأعباء المستقبلية.
ومن بين المشاكل التي خلص اليها المكتب المركزي تسجيله لاختلالات بنيوية في العرض الصحي، تجعل المنظومة الصحية المغربية تعاني من نقص في البنية التحتية، والموارد البشرية، والتجهيزات الطبية، خاصة في المناطق النائية. كما ان ضعف التكامل بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى تفاوت كبير في جودة الخدمات المقدمة.
كما وجب التأكيد إلى نظام التغطية الصحية الشاملة مازالت تعترضه صعوبات في التنسيق بين مختلف المتدخلين الحكوميين والمؤسساتيين، تجهز على فعالية المشروع، ويساعد على عرقلتها للمسار الاصلاحي غياب نظام رقابي فعال لتقييم الأداء وضمان الشفافية.
إن من بين المعيقات التي سجلتها العصبة خلال تقييمها للأداء الحكومي في هذا الإطار وجود مشاكل تقنية واجتماعية، تحد من فعالية تطبيق مبدأ الاستهداف، حيث لا تصل الخدمات بشكل عادل إلى جميع الفئات المحتاجة، و تكرس مظاهر اللامساواة، حيث تستفيد الفئات القادرة مادياً من خدمات ذات جودة أعلى مقارنة بالفئات الهشة.
ان العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، واستنادًا إلى التوصيف المختصر أعلاه، تدعو الى ما يلي:
1. تعزيز التمويل عبر تخصيص ميزانية إضافية من الدولة لدعم استدامة التغطية الصحية الشاملة، بما يتماشى مع الالتزامات الدستورية والدولية، مع استحداث آليات جديدة لتمويل النظام الصحي تعتمد على التضامن الوطني؛
2. تأهيل البنية التحتية ب زيادة الاستثمار في بناء وتجهيز المستشفيات العمومية، خاصة في المناطق النائية، وتحسين ظروف عمل الأطر الصحية لضمان استقطاب الكفاءات؛
3. تحسين الحكامة و إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة تنفيذ المشروع وتقييم أدائه بشكل دوري، يضمن فيها مقاعد الملاحظة للنقابات والجمعيات الحقوقية، بغية تعزيز الشفافية في إدارة الموارد وتوزيعها؛
4. إصلاح نظام الاستهداف ب اعتماد أنظمة معلوماتية متطورة لضمان وصول الخدمات إلى الفئات المستحقة بشكل عادل، و تنظيم حملات توعية لتشجيع الفئات الهشة على الانخراط في النظام الصحي؛ هذا بالإضافة إلى مراجعة المعايير التي يتم اعتمادها لانتقاء الفئات المستهدفة؛
5. تعزيز العدالة الصحية والتقليل من الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية في جودة الخدمات الصحية، و اعتماد سياسات تشجع القطاع الخاص على المساهمة في تحقيق أهداف التغطية الصحية الشاملة.
6. الارتقاء بالخدمات الوقائية عبر تكثيف الجهود الوقائية للحد من الأمراض المزمنة والمعدية، مما يقلل من تكاليف العلاج على المدى الطويل.
7. العمل على مراقبة الأثمنة المتداولة في القطاع الخاص الصحي وتسقيفها وحماية المواطنين من أي جشع، والرفع من جودة الخدمات الطبية التي ترتفع من خلالها نسبة نجاح ونجاعة التدخلات الطيبة والعمليات الجراحية المستعصية لإنقاذ المرضى والمصابين في الحوادث الخطيرة، وتقديم الخدمة الطببة في حالة خطر وجعلها واجبة وملزمة قبل الشروع في إجراءات الأداء سواء في القطاع العام او الخاص.
8. إطلاق حملات تطعيم شاملة وحملات استدراكية ضد الأمراض المعدية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإبرام شراكات متنوعة مع المؤسسات غير الحكوميةلدعم المشاريع الصحية، والاستثمار في التكنولوجيا الصحية وخاصة فيما يتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتوقع الأوبئة قصد استباقها بمدة كافية.
إن ورش التغطية الصحية الشاملة في المغرب وإذ يمثل فرصة هامة لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية وضمان حق كل مواطن في الصحة والحماية الاجتماعية، فإن نجاحه يتطلب معالجة جذرية للاختلالات القائمة، وتوفير موارد كافية، وتعزيز العدالة الصحية، والالتزام بتحقيق شمولية وفعالية المنظومة الصحية بما يضمن الكرامة لجميع المغاربة.