نحو نهضة صناعية في المغرب: دعوة لتبني إنشاء مناطق صناعية متخصصة لتحقيق التنمية الاقتصادية

بدر شاشا
يجب على المغرب الانتقال إلى أقوى سرعة في جلب الاستثمار. يجب أن تُفتح جميع الوثائق دفعة واحدة، وجميع ما يستلزم من وثائق إدارية واستثمارية في موقع واحد، ويتم إنجاز كل شيء في ساعة واحدة. عندها، سينظر المغرب إلى ما سيجنيه من قوة اقتصادية واستثمارية.لطالما كنت أؤمن بأن تطوير الاقتصاد المغربي يجب أن يعتمد على رؤية واضحة وطموحة تهدف إلى تعزيز الصناعات الوطنية وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية العالمية والتحديات التي تواجهها بلادنا. ومن هذا المنطلق، أوجه دعوتي إلى رئيس الحكومة المغربية لتبني مشروع طموح يتمثل في إنشاء مناطق صناعية متخصصة تشمل مختلف القطاعات الحيوية التي يمكن أن تشكل ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل واسعة للشباب المغربي.إن المغرب يمتلك جميع المقومات التي تؤهله ليكون مركزًا صناعيًا رائدًا في إفريقيا، بدءًا من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وإفريقيا، مرورًا بالبنية التحتية المتطورة، وانتهاءً باليد العاملة المؤهلة. غير أن هناك حاجة ماسة لتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات صناعية أكثر تنوعًا بدلاً من الاكتفاء بالقطاعات التقليدية، وذلك لتحقيق نهضة صناعية حقيقية تواكب التطورات العالمية.
أهمية إنشاء مناطق صناعية متخصصة
الاستثمار في المناطق الصناعية المخصصة لكل قطاع على حدة ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو ضرورة تفرضها الظروف الحالية، حيث أصبح من اللازم خلق بيئة مناسبة تجمع بين الشركات الكبرى والصغرى، مما يسهم في تعزيز الابتكار وتطوير سلسلة القيم الصناعية في المغرب. تخيلوا معي كيف سيكون تأثير إنشاء منطقة صناعية متخصصة في صناعة الشاحنات والمركبات الثقيلة، حيث سيتم إنتاج شاحنات مغربية الصنع ذات جودة عالية تنافس المنتجات المستوردة، مما يقلل من التبعية للخارج ويوفر فرص عمل لألاف الشباب في مجالات الهندسة، الميكانيك، والتصميم.
ولن يتوقف الأمر عند ذلك، بل يمكن للمغرب أن يكون مركزًا لصناعة الآلات الفلاحية التي تحتاجها الأراضي الزراعية المغربية لتلبية الاحتياجات المتزايدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. نحن نعلم أن الزراعة قطاع حيوي في الاقتصاد المغربي، ولكن ما ينقصه هو دعم الصناعة الفلاحية عبر توفير المعدات الحديثة المصنوعة محليًا بأسعار تنافسية.
صناعة القطارات: المستقبل في النقل المستدام
لا يخفى على أحد النجاح الذي حققه المغرب في قطاع النقل السككي، خاصة بعد إطلاق القطار الفائق السرعة “البراق”. ولكن لماذا لا يتم توسيع هذا النجاح ليشمل تصنيع القطارات محليًا؟ من خلال إقامة منطقة صناعية متخصصة في صناعة القطارات، يمكن للمغرب تطوير منظومة نقل مستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، بل وحتى تصديرها للدول الإفريقية التي تحتاج إلى بنية تحتية حديثة.
التكنولوجيا وصناعة الطائرات: بوابة المستقبل
لا يمكن لأي اقتصاد يرغب في التقدم أن يغفل عن قطاع التكنولوجيا، حيث أن الاستثمار في هذا المجال هو استثمار في المستقبل. لذا أدعو إلى تخصيص منطقة صناعية متكاملة تهتم بصناعة التكنولوجيا الدقيقة التي تشمل البرمجيات، الإلكترونيات، وتصنيع الأجهزة الدقيقة المستخدمة في مختلف القطاعات الصناعية والطبية. إن المغرب لديه الكفاءات الشابة القادرة على تطوير هذه الصناعات إذا توفرت البيئة الملائمة والدعم الحكومي المناسب.وبالحديث عن الصناعات المتطورة، فإن صناعة الطائرات يجب أن تحظى بمكانة خاصة، خاصة وأن المغرب حقق تقدمًا في هذا المجال عبر الشركات المتواجدة في مناطق مثل النواصر. لكن الحاجة أصبحت ملحة لإنشاء منطقة صناعية متكاملة لصناعة الطائرات تشمل جميع مراحل الإنتاج من التصميم إلى التجميع النهائي، وهو ما سيضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.
صناعة الحافلات وأجهزة النقل العمومي
ومن بين المجالات الأخرى التي أرى أنها ضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني، هي صناعة حافلات نقل الركاب، حيث يمكننا تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير وسائل نقل حديثة ومتطورة تناسب البنية التحتية المحلية. بالإضافة إلى ذلك، تطوير هذه الصناعة سيخلق الآلاف من فرص العمل ويساهم في تحسين قطاع النقل العمومي في المملكة.
التحديات والحلول المقترحة
بالطبع، هناك تحديات تواجه تنفيذ هذه المشاريع، مثل الحاجة إلى استثمارات ضخمة، ونقل التكنولوجيا، وتوفير التكوين اللازم للكفاءات المحلية. لكن الحلول متوفرة إذا تم تبني رؤية إستراتيجية طويلة المدى تشمل:
تقديم حوافز استثمارية لجذب الشركات العالمية الكبرى. التركيز على الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتبادل الخبرات والتقنيات. دعم البحث العلمي والتطوير في الجامعات والمعاهد التقنية لضمان توفير موارد بشرية مؤهلة. تبسيط الإجراءات الإدارية وتوفير بنية تحتية متكاملة لدعم هذه الصناعات.
النتائج المتوقعة من تنفيذ هذه الرؤية
إن إنشاء مناطق صناعية متخصصة في هذه القطاعات لن يكون مجرد مشروع اقتصادي، بل سيكون بمثابة تحول وطني شامل يسهم في:
توفير فرص عمل دائمة للشباب المغربي وتقليل البطالة. تحسين الميزان التجاري عبر تقليل الواردات وزيادة الصادرات. تعزيز مكانة المغرب كوجهة صناعية رائدة في القارة الإفريقية. دعم الاستدامة البيئية عبر تطوير حلول نقل صديقة للبيئة.