ثقافة وفن

الرباط: شالة .. تراث عالمي يعكس تعاقب الحضارات

هشام الزيات

يُعتبر موقع شالة الأثري واحدًا من أقدم المواقع في المغرب، ويمتزج فيه عبق التاريخ مع جمال الطبيعة، ليعكس على مر العصور تعاقب الحضارات التي مرت عليه، ويقع الموقع في ضواحي العاصمة الرباط، ويعد من أهم المعالم التي تشهد على التنوع الثقافي والتاريخي للمملكة المغربية .

وتعود جذور شالة إلى العصور القديمة، حيث كانت مستوطنة فينيقية في البداية، قبل أن تتحول إلى مدينة مزدهرة في العصر الروماني، سميت بـ”سلا كولونيا”، وقد شهدت هذه المدينة تطورًا اقتصاديًا وثقافيًا كبيرًا بفضل موقعها الاستراتيجي، مما جعلها مركزًا مهمًا في البحر الأبيض المتوسط خلال تلك الحقبة .

لكن شالة لم يقتصر تأثيره على العصر الروماني فقط، بل استمر في العصور اللاحقة، حيث أعيد إحياؤه في القرن الرابع عشر تحت حكم السلالة المرينية، ليصبح مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا خلال هذه الفترة، تم بناء العديد من المعالم الإسلامية التي ما تزال شاخصة إلى يومنا هذا، مثل الأضرحة والمساجد التي تعكس الروح الدينية والإبداع المعماري للمرينيين .

يمتد الموقع على سبعة هكتارات ويجمع بين آثار رومانية وإسلامية، مما يجعله شاهدًا حيًا على تفاعل الثقافات المختلفة وتداخلها، وتضم شالة بقايا معابد رومانية، وأبراج، بالإضافة إلى النوافير والممرات الحجرية التي تزين المنطقة، بينما تعكس المعالم الإسلامية بوضوح العمارة التقليدية التي تميزت بها فترة الحكم المريني .

وبفضل قيمته التاريخية والثقافية، صُنّف موقع شالة في عام 1920 كموقع أثري محمي، وهو ما أسهم في تعزيز مكانته الدولية، ومنذ عام 2012، أصبح جزءًا من قائمة التراث العالمي لليونسكو، مما يضمن له حماية أكبر ويعزز دوره كموقع جذب سياحي هام .

ويمثل موقع شالة اليوم أكثر من مجرد معلم سياحي، بل هو رمز للتنوع الثقافي والإنساني الذي ساهمت فيه العديد من الحضارات، كما أنه يشكل نقطة وصل بين الماضي والحاضر، حيث يمكن للزوار والمختصين اكتشاف كيف تأثرت الحياة اليومية في المغرب عبر العصور، وكيف تطورت من مستوطنة فينيقية إلى مدينة مزدهرة في العصور الرومانية، ثم إلى مركز ديني وثقافي في العهد المريني .

إن الحفاظ على هذا الموقع التاريخي يعكس التزام المغرب بالحفاظ على تراثه الثقافي، وتوفير فرصة للأجيال القادمة للتعرف على تاريخ بلادهم، كما يعزز من مكانة الرباط كمركز ثقافي عالمي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock