
مكتب أكادير / هشام الزيات
في واقعة مثيرة للجدل والاستغراب، شهدت جماعة بلفاع التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها، حادثًا غير مسبوق تمثل في منع إقامة صلاة الجنازة على رجل متوفى، كان في طريقه إلى منطقة تيغمي بإقليم تيزنيت لدفنه، وذلك بدعوى “عدم الإنتماء الترابي”، وهو ما أعاد إلى الواجهة نقاشًا مجتمعيًا حساسًا حول العلاقة بين الدين والإدارة، وحدود السلطة في تدبير الشأن الديني .
وحسب معطيات متطابقة من مصادر محلية، فقد تدخل إمام مسجد بمعية عون سلطة بجماعة بلفاع، لمنع إقامة صلاة الجنازة على المتوفى داخل المسجد المحلي، بحجة أنه “لا ينتمي إداريًا للجماعة”، وهو ما أثار اندهاش واستياء أسرته وعدد من الحاضرين الذين رأوا في ذلك حرمانًا غير مبرر من حق ديني مشروع .
وتعود تفاصيل الحادثة إلى مساء أول أمس، حين توقفت جنازة الفقيد ومرافقيه لأداء صلاة العصر في أحد المساجد أثناء عبورهم جماعة بلفاع في طريقهم إلى تيغمي حيث كان مقرّرًا دفنه، وبما أن وقت الصلاة كان قد حان، قرر المشيعون أداء صلاة الجنازة قبل إكمال المسير، غير أنهم اصطدموا برفض غير متوقع من الإمام وعون السلطة المعنييْن .
ردود الفعل لم تتأخر، حيث انتقل النقاش سريعًا إلى منصات التواصل الإجتماعي، وسط حالة من الذهول والاستنكار من طرف نشطاء ومواطنين اعتبروا ما حدث “سابقة خطيرة تمس بروح الإسلام وقيمه السمحة” .
وذكر أحد النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي والتي لقيت تفاعلًا واسعًا: “هل أصبحت الحدود الإدارية تفصل بين المسلمين حتى في الموت؟ بأي منطق يُمنع الدعاء على متوفى لأنه لا يملك عنوانًا محليًا؟”، بينما طالب آخرون بـفتح تحقيق رسمي لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، خاصة وأن الحادث يُظهر، بحسب تعبيرهم، خللًا واضحًا في تدبير الشأن الديني، ويمس بحقوق دينية لا تقبل التقييد أو المزاجية .
ومن منظور شرعي، يُجمع العلماء على أن صلاة الجنازة فرض كفاية، وهي واجبة على المسلمين تجاه إخوانهم، دون تمييز في الأصل أو الإنتماء أو محل الإقامة، كما أن المساجد، باعتبارها بيوت الله، لا تخضع للاعتبارات الترابية أو الإدارية، بل تُفتح في وجه كل مسلم ما دام يحترم قدسيتها .
أما من الناحية القانونية، فإن منع شعيرة دينية دون سند قانوني واضح قد يُعد تجاوزًا للصلاحيات، خصوصًا في سياق إنساني كالجنازات التي تفرض سلوكًا قائمًا على التراحم والتقدير، لا على البيروقراطية .
وتعتبر حادثة بلفاع مجرد سلوك فردي معزول، وتفتح الباب أمام سؤال كبير حول طريقة تدبير المجال الديني محليًا، وعن مدى وعي بعض الفاعلين الدينيين والإداريين بمسؤولياتهم الأخلاقية والدستورية في خدمة المواطنين، لا في التفريق بينهم .
وفي زمن يواجه فيه المجتمع تحديات التماسك الإجتماعي، يصبح التعايش والتسامح أكثر من مجرد قيم، بل ضرورة لضمان وحدة الصف والاحترام المتبادل بين الناس، الموت لحظة وحدة لا خلاف، ورحيل الإنسان يجب أن يُقابل بالدعاء والتكريم، لا بالرفض والمنع .
ويعتبر المسجد بيت الله، لا يعرف “الانتماء الترابي” ولا يعترف بـ”بطاقة الساكنة”، والدعاء للميت واجب شرعي، لا ينبغي أن يُعيقَه إجراء إداري أو اجتهاد غير مؤسس، وما وقع في بلفاع ينبغي ألا يتكرر، لأنه ببساطة يمس جوهر من نكون كمجتمع مسلم متراحم ومتضامن .