بقلم: أستاذ رحال أمانوز من الدارالبيضاء
أستاذ وكاتب ومدير سابق لصحيفة أخبار المغرب الإلكترونية المتوقفة سنة 2017 .
البياض يعم المكان . جدران الغرفة الأربع لونها أبيض . سقف الغرفة بنفس اللون . يتدلى منها مصباح أبيض . السرير الذي يتمدد فوقه منذ أيام خلت لا يعرف عددها . والطاولة القابعة بجانبه . ستاءر النوافذ . الكل يتوشح بالبياض القاتل .
وهو غارق في عزلته . انعدم لديه مفهوم الزمان والمكان . كأنه معلق بين السماء والأرض . يحاول تحريك أطرافه العليا . لا فائدة من ذلك . اما الأطراف السفلى . فقد فقد السيطرة عليها . لا يعرف منذ متى ولا كيف . يقضي أوقاته بين النوم واليقظة . يغمض عينيه تارة ويفتحهما تارة أخرى . لا يسمع في الغرفة إلا رجع صدى تنفسه البطيء . وأنين خافت ينبعث من بين ضلوع متهالكة . أحيانا ينتابه سعال …
بين الفينة والأخرى . يقتحم عليه المكان . شبحان يغطيهما البياض . لا يظهر منهما سوى عينان جاحظتان . يعبثان بالجسد الهزيل كما شاءا . يلقيان نظرة على جهاز بجانب السرير . هو يصدر ازيزا لا يتوقف . يحركان بعض الخيوط . ثم ينسحبان من المكان في صمت . يحركان راسيهما حركات ذات معنى . ايماءات لايعرفها غيرهما . يغلقان الباب خلفهما ويختفيان .
آلامه تشتد وأنينه يزداد . يحاول الفرار من هذا المكان اللعين . يخيل إليه أنه رمي به في قبر . لكن هيهات ثم هيهات . لقد ربطت أطرافه الأربعة . بوثاق مع السرير . من يفك أسره. من يعينه على مغادرة المكان . من يخلصه من هذه الخيوط الملتفة حول جسده . أكثر ما يزعجه : هذا الأنبوب المتصل بأنفه . يكتفي بتحريك مقلتيه في كل الاتجاهات . غارق في بحر من البياض .
وفجأة بدأ يحس إحساسا غريبا . دبيب يعبث بقدميه . قواه بدأت تخور . ازيز الجهاز شرع في الاضمحلال . المكان يدور به . تذكر الارجوحة التي كانت تدور به لما كان طفلا . البياض يستحيل إلى سواد . الارجوحة تدور وتدور وتدور . نور ابيض يضيء من بعيد . ملائكة باجنحة بيضاء تحف به . انطبعت ابتسامة على محياه . غاب عن الوجود …
دخل الشبحان الغرفة . الجهاز توقف عن العمل . تاملاه جيدا . اغلقا العينين والفم . غطيا الوجه بغطاء أبيض . حملا الجثة إلى الطابق التحت الأرضي . انطلقا نحو غرفة اخرى …
الدارالبيضاء : في فبراير / 2023
شكرا للاستاذة الفاضلة مديرة صحيفة : [ يسبريس 7 Yespress ] الإلكترونية : الإعلامية المتميزة : 《 هند جوهر 》لنشرها قصتي القصيرة : بياض قاتل … أتمنى التوفيق لجريدة : [ يسبريس 7 Yespress ] والتي ستكون إن شاء الله قيمة مضافة في الساحة الإعلامية الوطنية …