الزفاف الذي أربك دولة مصر الطولونية
محمد أوفطومة/مكتب وجدة
بدأت الحكابة بطمع الخليفة العباسي في ثروات خزائن مصر من أجل تجهيز وتقوية جيش الخلافة، و الذي كان حاكم مصر حينها “أحمد بن طولون “.
بعد موت أحمد بن طولون وتولي الأمير “خمارويه” بدأ في خلق المناوشات إستعدادا منه لشن الحرب لأنه كان من المعروف عن الأمير خمارويه أنه ليس برجل حرب وأنه يميل إلى السلام، و خرج جيش الخليفة العباسي “الموفق” و بدأ يستولي علي ممتلكات مصر التي يقابلها حتي وصل إلى فلسطين و إستعد للإستيلاء على مصر، فخرج خماروي على رأس ألجيش و إلتقى الخصمان عند منطقة” الرمله” جنوب فلسطين، وكان الجيش المصري على وشك الهزيمة و لكن خلال لحظات تغير كل شيئ و قام “سعد الأعسر ” قائد الجيش المصري بتغيير مسار المعركة و مالت الكفة الرابحة لصالح جيش خماروي، و تقهقر الجيش العباسي إلى بغداد و تبعهم خمارويه وأعاد حدود مصر كما كانت بإسترجاع الشام و الموصل.
تم وقع معاهدة صلح بين خمارويه و الموفق و الخليفة المعتمد و أقروا بأن تبقى الدولة الطولونية كما هي في عهده وعهد خلفائه من بعده ومدة الصلح ثلاثون سنة.
مرت الأيام و مات الخليفة الموفق ومن بعده المعتمد و أصبحت الساحة خالية لخمارويه وكان يجب عليه توطيد علاقته بالخليفة الجديد “المعتضد” بن الموفق حتي يتقي أذيته ففكر في الزواج السياسي وهو نوع من معاهدات السلام كانت تعقد بين الممالك، فعرض عليه خمارويه زواج “أسماء” إبنته ولقبها قطر الندى من الأمير “المكتفي” بن المعتضد، و لكن الطريف في هذا الموقف أنه عندما بلغ الخليفة مدى جمال قطر الندى و أخلاقها وثقافتها طلب من خمارويه الزواج منها بدلا من ولده المكتفي فوافق خمارويه .
عندما عقدت هذه الزيجة كان عمر قطر الندي 12 سنة و كان معروف عنها الجمال و العلم و الأخلاق، و قد أرسل الخليفة مهرها و الذي كان ألف الألف دينار و هو المليون، مبلغ ضخم للغاية في زمانها و لكنه لا يساوي حتي ربع ما أنفقه خمارويه على زفاف العروس قرة عينه قطر الندى، و أراد أن يبهر الخليفة وحاشيته فأعد لها شوار أسطوري، فإذا قال أحدهم لك أن زفافه لم يأتي مثله، فقل له أنك لم تعلم ما فعله خمارويه لقطر الندى، فكان هذا الزفاف الذي أدى لإفلاس خزائن الدولة المصرية، قام خمارويه بن طولون بعمل شوار أسطوري للعروس وهو مثل صندوق خشب يزين و يوضع بداخله جهاز العروس و كان جهاز قطر الندى كالأتي : 400 حزام من الذهب المرصع بالجواهر، ألف هون من الذهب الخالص لدق العود والبخور، و عشرة صناديق ممتلئة بالجواهر، سرير من الذهب الخالص مكون من أربع قطع يعلوه قبة من ذهب معلق بوسط كل فتحة في القبة جوهرة نادرة .
وكان زفاف قطر الندى لم يأتى مثله من قبله أو حتي من بعده، فقد إستمر أربعين ليلة وكان يقدم فيه الطعام للجميع من عامة الشعب على أطباق من ذهب وكانت قطر الندى كل ليلة ترتدي ثوب مختلف مرصع بالأحجار الكريمة وترتدي إكليل من الذهب الخالص يعكس النور ليضيئ وجهها الجميل، و كتعبير عن فرحة الشعب بإبنتهم لما فعله إبن طولون، رفع رأسهم أمام الخلافة العباسية على مر التاريخ، تغنو لها “يا حنة يا حنة يا قطر الندى يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوي”، و قد تحرك موكب العروس إلى بغداد في رحلة تستغرق ستة أشهر، إصطف الجيش على الطريق بأسلحتهم و ملابسهم الفخمة و معهم الشعب المصري و قد رافق العروس عمها شيبان و عمتها العباسية و الأمراء و الخدم و الجنود، و حتى لا تشعر العروس بمشقة الطريق أمر بعمل قصور على طول الطريق إلى بغداد مثل الذي كانت تعيش فيه بمصر حتي تصل إلى الخليفة في أبهى صورة و لم يكتفي بذلك فقط بل أعطاها 100.000 دينار لتشتري ما يحلو لها أثناء سفرها مما لا يوجد منه في مصر، و عند وصول موكب العروس إلى بغداد كانت هناك الكثير من مظاهر الإحتفال وظل الحفل مستمرا عدة أيام .
بعد عدة أيام من الزفاف أغتيل خمارويه على يد خدامه أثناء سفره إلى الشام و نتيجة لذلك العرس التاريخي كانت خزائن المال المصرية فارغة، لا يوجد بها أي شيئ، و بعدها بخمسة سنوات توفيت قطر الندى بعمر يقارب 17 سنة و بعدها بعامين توفي الخليفة المعتضد من حزنه على زوجته .
في تلك الفترة كانت الأحوال الإقتصادية و الإجتماعية سيئة للغاية في مصر و كثرت المؤامرات في البيت الطولوني، و تولى أبو العساكر بن خمارويه الحكم بعمر 14 سنة و إنتهي الحال بقتله وسقوط الدولة الطولونية عام 905 م، و عودة مصر ضمن ممتلكات الخلافة العباسية.