مقالات واراء

قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (12)

عبدالحق الدوق*

3.2.7.2. السر المهني والاطلاع على الملف الطبي من طرف السلطات والهيئات المؤهلة قانونا:
إن تطرقنا لموضوع السر المهني للمعطيات الطبية داخل المؤسسات السجنية كان من الممكن تفاديه لولا ان مشروع القانون 23-10 لم يخلق اشكالا في الصيغ التي جاء بها في المادتين 37 و112.

فقد جاء في المادة 37: ” يسلم مدير المؤسسة السجنية إلى السلطة أو المؤسسة المؤهلة بموجب التشريع الجاري به العمل مباشرة أو عن طريق السلطة القضائية المختصة موجزا أو نسخا مصادقا على مطابقتها للأصل لجميع الوثائق الموجودة بحوزته التي تخص المعتقل، وكذلك نظائر أو موجزات من البيانات المدونة بسجل الاعتقال، مع مراعاة عدم انتهاك السر المهني المتعلق بالملف الطبي للمعتقل الموضوع تحت مسؤولية الطاقم الطبي للمؤسسة السجنية. ولا يجوز تسليم نسخة من الملف الطبي الخاص بالمعتقل للسلطة أو المؤسسة المؤهلة قانونا إلا بعد موافقته الصريحة .”

هناك بعض الأسئلة تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه المادة هما:
 إذا كانت المؤسسة المعنية مؤهلة قانونا لماذا طرح إشكالية السر المهني؟
 ومادامت هذه المؤسسة مؤهلة قانونا، لماذا لا تتسلم الوثائق إلا عن طريق السلطة القضائية؟
 ولماذا تحتاج هذه المؤسسة المؤهلة إلى موافقة المعتقل؟

فالمؤسسة المؤهلة قانونا لا تحتاج مبدئيا وساطة السلطات القضائية من أجل حصولها على الوثائق المتعلقة بأوضاع المعتقلين، بما فيها الملف الطبي. وهنا لابد وأن نستحضر انه من بين المؤسسات المعنية، قد يكون المجلس الوطني لحقوق الانسان. فهل هذه المؤسسة تحتاج إلى وساطة من اجل حصولها على الوثائق المذكورة، في الوقت الذي تتوفر فيه على قانون يتيح لها الاطلاع على أماكن الحرمان من الحرية وضرورة تمكينها من كل الوثائق والسجلات المستعملة فيها؟
ثم إن المؤسسات مثل المجلس الوطني لا تتدخل بالأساس إلاّ من اجل تحسين أوضاع السجينات والسجناء، وفي الحالة هذه لن نجد سجينا سيعارض على اطلاع هذه المؤسسة على ملفه، أو لأنها توصلت بادعاءات لابد من النظر فيها، والمعتقل المعني بالادعاء سيتفق مبدئا على ان تطلع هذه المؤسسة على ملفه الطبي.
يمكن لمعتقلا، لسبب من الأسباب، أن يعارض على أن تطلع مؤسسة مؤهلة قانونا على ملفه الطبي، إذا كان تدخلها كان نتيجة لادعاء بالتعذيب وسوء المعاملة مثلا، فهل في الحالة هاته تُمنع المؤسسة عن الاطلاع على ملف المعتقل؟
إننا نرى أن مؤسسات مثل المجلس الوطني او اللجان الإقليمية يبقى لها دائما الحق في الاطلاع على كل الوثائق المتعلقة بالسجينات والسجناء، لأن المشرع لما عينها أعطاها هذا الحق. وتحقيق الطموح الذي يسعى إلى الرفع من مستوى الدفاع عن الحقوق بالمؤسسات السجنية لا بد أن يدعو إلى تمكين المؤسسات المعنية بكل الوثائق دون قيد او شرط.
وكمثال على عدم ضرورة موافقة المريض، نذكر هنا ما جاء في المدونة الدولية لأخلاقيات الطب الصادرة عن الجمعية الطبية العالمية ، وذلك في الفقرة 22 التي صرحت: “يجب على الطبيب احترام الحياة الخاصة للمريض والقواعد المتعلقة بالسرية الطبية، حتى بعد وفاة المريض.
يجوز للطبيب الكشف عن معلومات سرية إذا أعرب المريض عن موافقته الحرة والمستنيرة أو في حالات استثنائية، عندما يتوافق نقل هذه المعلومات مع التزام أخلاقي أعلى تم استنفاد الإمكانيات الأخرى بشأنه حتى لو لم يوافق المريض أو لا يمكنه الموافقة. يجب أن تكون المعلومات المرسلة وعدد المستلمين والمدة التي يتم الكشف عنها فيها محدودة بالحد الأدنى الضروري. ”

كما نجد أن الفقرة (ج) من القاعدة 32، من قواعد مانديلا قد أشارت إلى إمكانية رفع السرية على المعلومات الطبية إذا كان هناك ضرر قد يلحق بالمريض أو بغيره: ” 1- تحكُم العلاقةَ بين الطبيب، أو غيره من اختصاصيي الرعاية الـصحية، والـسجناء نفـس المبادئ الأخلاقية والمهنية التي تنطبق على المرضى في المجتمع، وخصوصاً ما يلي:
(ج) احترام سـرِّية المعلومـات الطبِّيـة، مـا لم يـؤدِّ ذلـك إلى خطـر حقيقـي ووشـيك يهدِّد بإلحاق الضرر بالمريض أو بغيره؛”

لهذا نقترح إعادة صياغة المادة 37 دون ذكر الشروط التي أشرنا إليها:
” يسلم مدير المؤسسة السجنية إلى السلطة أو المؤسسة المؤهلة بموجب التشريع الجاري به العمل موجزا أو نسخا مصادقا على مطابقتها للأصل لجميع الوثائق الموجودة بحوزته التي تخص المعتقل، وكذلك نظائر أو موجزات من البيانات المدونة بسجل الاعتقال.”
أما المادة 112 فقد جاء فيها: ” يسلم مدير المؤسسة السجنية للسلطات القضائية والإدارية المؤهلة قانونا معلومات تتعلق بالحالة الصحية للمعتقل قصد الاطلاع عليها.
يجوز للإدارة المكلفة بالسجون أن تأذن لأسباب مشروعة بإعطاء معلومات حول الحالة الصحية للمعتقل، بعد موافقته الحرة والصريحة. للهيئات العامة والخاصة المؤهلة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
لا يجوز الاطلاع على الملف الطبي للمعتقل إلا من قبل مهنيي الصحة العاملين بالمؤسسة السجنية والطبيب المعالج بالمؤسسة الاستشفائية المحال عليها، أو أحد الأطباء بتكليف من الإدارة المكلفة بالسجون، مع مراعاة الأحكام المتعلقة بعدم انتهاك السر المهني والتشريع المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
في حالة الادعاء بالتعرض للتعذيب، يرخص للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الاطلاع على الملف الطبي للمعتقل بحضور طبيب المؤسسة السجنية.”

لن نركز في هذه المادة إلا على الفقرة الثالثة، بما أنه قد سبق الإشارة على ما جاء في باقي الفقرات في فصول سابقة، يمكن الرجوع إليها.
حددت الفقرة من يجوز له الاطلاع على الملف الطبي للمعتقل، وهم كلهم من فئة الأطباء. لهذا نطرح مجموعة من الأسئلة بخصوص ما جاء في هذه الفقرة:

 لماذا تحديد الفئات الطبية المذكورة؟ في الوقت الذي وسعت فيه المادة 37 دائرة من يطلع على الملف الطبي. ورغم تعليقنا عليها أعلاه نرى انها أشارت إلى إمكانية تسليم نسخة من الملف الطبي الى “السلطة أو المؤسسة المؤهلة قانونا” فالاطلاع، إذن، حاصل عن طريق الملف مباشرة أو عن طريق نسخة منه.
 لماذا الإشارة إلى انتهاك السر المهني؟ فالفئات المذكورة كلها من الأطباء، واطلاعها على الملف الطبي للسجين لن يكون إلا بهدف القيام بفحص أو تأكيد معلومة أو القيام بتحريات (بالنسبة للطبيب المكلف من طرف الإدارة المكلفة بالسجون).

إن قراءتنا النصية لما جاء في هذه الفقرة من المادة 112 يبدي تناقضا او محاولة تضييق لما جاء في المادة 37، إلا إذا لم نُوَفّق في استيعاب المراد منها. وربما تحتاج هذه المادة توضيحا، من طرف محرريها، لإزالة اللبس.

وبالإضافة إلى هذه التساؤلات والملاحظات، نذكر بما جاء في القاعدة 26 من قواعد مانديلا، والتي صرحت بإمكانية تعيين طرف ثالث من طرف المعتقل للاطلاع على ملفه الطبي، حيث جاء فيها:
” 1- تقوم دائرة خدمات الرعاية الصحية بإعداد وتعهُّـد ملفـات طبِّيـة فرديـة دقيقـة ومحدَّثـة وسرِّية لجميـع الـسجناء، ويُـسمح لجميـع الـسجناء بـالاطِّلاع علـى ملفاتهم بنـاءً علـى طلبـهم. وللسجين أن يفوِّض لطرف ثالث الاطِّلاع على ملفه الطبِّي.
2- تحال الملفات الطبِّية إلى دائرة خدمات الرعاية الصحية في المؤسسة المستقبِلة لدى نقـل السجين وتحاط بالسرِّية الطبِّية. ”

لهذا نقترح إعادة النظر في محتوى الفقرة الثالثة من المادة 112، مع مراعات ما جاء في القاعدة 26 من قواعد مانديلا، ودون الإشارة إلى السر المهني.
“يمكن الاطلاع على الملف الطبي للمعتقل من قبل مهنيي الصحة العاملين بالمؤسسة السجنية والطبيب المعالج بالمؤسسة الاستشفائية المحال عليها، أو أحد الأطباء بتكليف من الإدارة المكلفة بالسجون، ومن تم تفويضه من طرف المعتقل، مع مراعاة التشريع المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.”

* خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية.
رئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock