مقالات واراء

الدوق: قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا.. مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (15)

عبد الحق الدوق

10.2. الفئات في وضعية هشاشة

من بين مستجدات مشروع القانون 23-10 الإشارة إلى الفئات في وضعية هشاشة. ويعتبر هذا الاهتمام من أهم مميزات هذا المشروع، لما لهذه الفئات من خصوصية سنعود للحديث عنها لاحقا في فصول أخرى، وخصوصا لمّا نعلم أن قانون 98-23 لم يشر إلى وضعية الهشاشة في أيٍّ من مواده.

 

وهذه الإشارات وردت في المذكرة التقديمية للسيد وزير العدل، وكذا في المادة الأولى من المشروع وفي المادة 64.

 

لقد جاء في المذكرة التقديمية ان من اهداف هذا المشروع تعزيز المقتضيات المتعلقة بحماية الفئات الهشة المحرومة من حريتها، ومراعاة احتياجاتها الفردية كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل تيسير ظروف اعتقالها وتهييئها للاندماج السريع في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة المحكوم بها.

 

كما عرفت المادة الأولى من مشروع القانون الفئات في وضعية هشاشة أنهم: ” المعتقلون الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة ولا يتوفرون على القدرة الجسمانية أو العقلية أو النفسية الكافية لمواجهة ظروف الاعتقال، لاسيما، النساء والأحداث والمسنين، والأشخاص في وضعية إعاقة بعد أخذ رأي طبيب المؤسسة السجنية. ”

نسجل هنا ملاحظتين بخصوص هذا التعريف:

الأولى عبارة عن سؤالين:

– ذكرت المادة بعض الفئات في وضعية هشاشة وقامت بتعريفها على أساس أنهم ” يحتاجون إلى رعاية خاصة ولا يتوفرون على القدرة الجسمانية أو العقلية أو النفسية الكافية لمواجهة ظروف الاعتقال.” ثم اشترطت “أخذ راي طبيب المؤسسة السجنية”. فمادامت المادة تتعلق بالتعريف فلماذا تحتاج إلى رأي الطبيب في ذلك؟

– ثم هل هذه الفئات تحتاج إلى راي حتى نثبت انها في وضعية هشاشة؟

 

*وبالتالي فإننا نقترح حذف “بعد أخذ رأي طبيب المؤسسة السجنية. ”

– الثانية تتعلق بالفئات في وضعية هشاشة:

– فمن ناحية ذكرت المسنين والأشخاص في وضعية إعاقة، إلا أن المشروع لم يُفَرّد أية مادة تُعدد حقوق هاته الفئتين؛

– ومن ناحية أخرى، لم تذكر فئات أخرى، تصبح في وضعية هشاشة، لَمّا تصبح في وضعية الحرمان من الحرية، كالأجانب والمحكومين بالإعدام والمدمنين.

وذلك للدواعي التالية:

• إن احتجاز فئة المسنين يثير مشاكل عديدة. وظروفهم الصحية قد تؤثر على قدرتهم على الامتثال للأوامر والتوجيهات أو اتباع الانضباط والإجراءات العادية في السجن. وفي غياب المعدات والمرافق المناسبة، غالباً ما يُحرم السجناء المسنون من ممارسة الرياضة والأنشطة. وفي بعض الحالات، قد تتعرض الحالة الصحية لهؤلاء السجناء للخطر في غياب العلاج الطبي أو النفسي.

فعندما لا يكون هناك حل آخر سوى وضع هذه الفئة بالمؤسسات السجنية، فمن الضروري توفير الامكانات لها، وكذا الحماية الصحية لها، كما يجب على الموظفين إيلاء اهتمام خاص بها.

 

• يتعرض جميع الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المؤسسات السجنية لخطر التمييز والإيذاء بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى كل أنواع المعاملات السيئة والحاطة بالكرامة. وفي بعض الحالات، يتم حبس السجناء ذوي الإعاقة في أماكن لا تناسب وضعيتهم، ويتم تجميعهم أحيانًا مع سجناء آخرين قد يعرضونهم للخطر. كما قد يصبحون ضحايا التمييز بسبب وضعهم كأقلية، أو حالتهم الصحية، أو نوع الجريمة المرتكبة. إضافة إلى ذلك، لا يستطيع السجناء ذوو الإعاقة عمومًا القيام بالكثير من الأنشطة المتوفرة بالمؤسسات السجنية، وهو ما يعتبر شكل من أشكال التمييز، وخصوصا من أجل الاستفادة من برامج التكوين المهني.

 

• كما تعرف كثير من المؤسسات السجنية على المستوى العالمي نسبة كبيرة من المعتقلين ذوي الأمراض العقلية. فالعديد منهم يعاني من مشاكل نفسية قبل دخولهم السجن، ويصاب آخرون، كرد فعل لضغوط بيئة السجن، باضطرابات نفسية أثناء فترة اعتقالهم.

وبما أن السجن لا يمكنه أن يكون مرفقا مناسبًا للرعاية النفسية، فإن هذه الاضطرابات غالبًا ما تميل إلى التفاقم. لهذا يشكل المعتقلون من ذوي الأمراض النفسية والعقلية فئة في وضعية هشاشة داخل المؤسسات السجنية، لأنهم ناذرا ما تكون لهم الاستقلالية الكافية للعيش في الوسط السجني، وقد يواجهون صعوبات خطيرة في القيام بالمهام اليومية.

• أما المحكومون بالإعدام فيعتبرون فئة في وضعية هشاشة لأنه كثيراً ما تكون الاتصالات التي يمكنهم الحفاظ عليها مع أقاربهم أو محاميهم محدودة، وبالتالي لا تتوفر لديهم ما يحصل عليه باقي السجناء من ذويهم.  وفي البلدان التي تجيز عقوبة الإعدام، غالبًا ما يتم فصل السجناء المحكوم عليهم بهذه العقوبة عن السجناء الآخرين، ويخضعون لنظام خاص. ويتم وضعهم في أحياء شديدة الحراسة ويخضعون لإجراءات أمنية مقيدة للغاية والتي يتم تبريرها بخطورتها. فالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام يجب أن يتمتعوا بجميع الحقوق الأساسية التي تنطبق على جميع السجناء.

• أما الأجانب، فغالبًا ما يجدوا أنفسهم معزولين عن بقية المحتجزين بسبب الحواجز اللغوية والاختلافات في العادات والثقافة والدين. وكثيراً ما تقترن الصعوبات في الحفاظ على الاتصال بالعائلة والأقرباء بالحرمان من الحرية.

لهذا ينبغي توفير ضمانات معينة لهم، حتى لا يواجهوا بعض الصعوبات. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الخصائص اللغوية والدينية، لتجنب جميع أشكال سوء المعاملة، وتسهيل الوصول إلى المساعدة القانونية، والسماح بالاتصال مع الأسرة والممثلين الدبلوماسيين.

• هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الإدمان داخل المؤسسات السجنية، ويواجهون صعوبات خاصة. فالمخدرات جزء لا يتجزأ من عالم السجون، رغم كل المجهودات المبذولة من اجل محاربتها. وتزيد الظروف الصعبة في أغلب المؤسسات السجنية، من اكتظاظ وقلة الإمكانيات من أجل توفير الإمكانيات للمتابعة النفسية والصحية، من المخاطر المرتبطة بالاستهلاك. كما أن المدمنين يعانون عموما من الأحكام المسبقة وقد تشدد عليهم ظروف المراقبة الأمنية، بالإضافة إلى استغلالهم من مروجي مختلف أنواع المخدرات.

سنقدم بعض المقترحات لكل هذه الفئات لما نتطرق إلى أوضاعها السجنية في فصول قادمة.

اما ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 64 فقد جاء فيها: “يستفيد المعتقل من المساعدة الاجتماعية والمواكبة الطبية والنفسية بتعاون مع القطاعات والهيئات ﺍﻟﻤﺨﺘﺼـﺔ في حدود الإمكانيات المتوفرة.

تستفيد الفئات في وضعية هشاشة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون من رعاية خاصة تتناسب مع احتياجاتها وأوضاعها.”

إن وضعية الهشاشة قد تنشأ وتتأثر بالظروف والتفاعلات مع المحيط. فبالإضافة إلى العوامل الشخصية، يلعب السياق الذي يعيش فيه الفرد دورًا حاسمًا من حيث مدى تفاقم وضعية الهشاشة او تجاوزها. لهذا، ولمّا يجب تنفيذ العقوبات الجنائية، يقع على عاتق الدولة واجب خاص يتمثل في تقديم المساعدة لجميع السجناء. فالهشاشة الشخصية والنفسية والاجتماعية تؤدي كلها إلى المعاناة، وقد يتفاقم الوضع مع وجود الأمراض. وكل هذا يساهم في تسريع وتيرة الانهيار.

لهذا فإننا نعتبر أن الفقرة الثانية من هذه المادة جاءت بما تنص عليه المعايير الدولية. فقد صرحت بأن الأشخاص في وضعية إعاقة يجب أن يتمتعوا بجميع الحقوق والضمانات المقدمة للسجناء الآخرين، بما في ذلك الحق في العيش في بيئة صحية، والحصول على الرعاية الخاصة بهذه الفئات خصوصا الطبية المناسبة، والوصول إلى برامج إعادة الإدماج. وتضيف المعايير الدولية أن هؤلاء، بسبب ضعفهم، يمكنهم الاستفادة من عدد من الضمانات الإضافية، مثل الخدمات الطبية المتخصصة، وزيادة الإشراف من قبل موظفي السجن المتخصصين.

وسنحاول تفصيل كل هذه الحيثيات لكل فئة من الفئات المذكورة أعلاه في الحلقات المقبلة.

 

يتبع

عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية. ورئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock