الدوق: قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا.. مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (17)
عبد الحق الدوق
10.2. الفئات في وضعية هشاشة
2.10.2. مراعاة المصلحة الفضلى للطفل:
تطرقنا في مقال الأمس إلى بعض الحقوق التي جاء بها مشروع القانون 23-10 للسجينات لاعتبارهن فئة في وضعية هشاشة. ولاحظنا أن أغلبها له ارتباط بوضعية السجينة كحامل أو مرضعة أو مرفقة بطفل. وبالتالي يمكن أن نسجل ان الأطفال يستفيدون من الحقوق فصلنا فيها (المواد 15، 101، 119، 126، 199، 207).
لابد كذلك وأن نشير هنا، ونحن بصدد قراءة ما جاء من حقوق للطفل في هذا المشروع (11 مادة)، يعتبر إضافة نوعية في التشريع المتعلق بوضعية الأطفال داخل المؤسسات السجنية، لأن القانون 98-23 المعمول به حاليا في تدبير المؤسسات السجنية لم يشر إلى وضعية الأطفال إلا في مادتين. المادة 34 (تخصيص مرافق منها دور الحضانة) والمادة 139 (بقاء الطفل مع أمه السجينة).
1.2.10.2. بعض حقوق الطفل المذكورة بالمشروع:
يجب التذكير هنا بأن الطفل المقصود في هذا المقال وفي المواد التي سنذكرها ليس بالحَدَث الذي هو في نزاع مع القانون، ولكن هو من ازداد بالمؤسسة السجنية او من ولجها برفقة أمه السجينة، والذي لا يجب أن يتجاوز بقاؤه بها سن الخامسة، حيث جاء بالمادة 120 من هذا المشروع: ” لا تقبل مرافقة الأطفال لأمهاتهم المعتقلات إلا بعد توصل مدير المؤسسة السجنية بالموافقة الكتابية للسلطة القضائية المختصة.
يجوز للأطفال مرافقة أمهاتهم المعتقلات حتى بلوغهم سن الخامسة كحد أقصى.
يشعر مدير المؤسسة السجنية النيابة العامة المختصة قبل فصل الطفل عن أمه، داخل أجل يحدد بنص تنظيمي.
يجب على مدير المؤسسة السجنية اتخاذ التدابير اللازمة مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.”
إن أهم ما يمكن أن نسجله كتعليق على هذه المادة، هو انه ولأول مرة يصرح تشريع سجني بعبارة “مراعاة المصلحة الفضلى للطفل”، وهو ما يمكن اعتباره تقدما ملموسا على مستوى الحقوق والملاءمة مع المواثيق والمعاهدات الدولية. ونخص هنا بالذكر “اتفاقية حقوق الطفل[1]” التي صادق عليها المغرب في يونيو 1993 ونشرت في الجريدة الرسمية في ديسمبر 1996، وهي التي تشير إلى المصلحة الفضلى للطفل كما جاء ذلك مثلا في المواد 3، 9، أو 23. وقد أشارت قواعد مانديلا إلى ذلك في الفقرة الأولى من القاعدة 29: ” يُـستند في اتخـاذ قـرار بـشأن الـسماح للطفـل بالبقـاء مـع أحـد والديـه في الـسجن إلى مصلحة الطفل الفُضلى.”
كما نسجل أن المادة 120 حددت سن بقاء الطفل في 5 سنوات كحد أقصى، خلاف ما هو مسطر في المادة 139 من قانون 98-23 التي كان السن الأصلي هو 3 سنوات قابلة للتمديد إلى 5 سنوات بعد موافقة وزير العدل[2]. نتمنى أن يخوض أهل الاختصاص في حقوق الطفل والإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم بخصوص هذا الأمر. إلا أنه يمكن التساؤل حول هل من مصلحة الطفل الفضلى أن يكون مع أمه السجينة أو أن يبقى بعيدا خارج أسوار السجن؟
من جهتنا، نؤكد على امر، بحكم معرفتنا المتواضعة بعالم السجون، هو أنه من الصعب تحديد الشكل الأكثر ملاءمة، نظرا لاختلاف ظروف كل حالة. ولكن يبدو أن هناك اتفاقاً عاماً على أن الخيار الأقل سوءاً في بعض الأحيان هو ترك الطفل يعيش في السجن مع أمه، مع أنه هو نفسه لم يرتكب أي جريمة. وحين يكون هذا هو الحل الأفضل، فيجب العلم أن وجود أطفال يعيشون في داخل السجن غالباً ما يسبب صعوبات للأمهات ولموظفي السجن وللسجناء الآخرين وللأطفال أنفسهم. لهذا، يتحتم التفكير الجيد في ظروف الاعتقال ونوعية الرعاية وعمر كل طفل ووضعه. والسؤال الحاسم الذي يجب على المسؤولين وصناع السياسات أن يأخذوه في الاعتبار هو المصالح الفضلى للطفل، ويجب عليهم أن يتذكروا أن الطفل لم يكن جانحا، ولا ينبغي أن يصير منحرفا.
اما قبل مغادرة السجن، فينبغي إعداد الأطفال للتكيف مع الحياة في الخارج. خلال هذا الإعداد، يجب أن يكون الأطفال قادرين على التعود على الأشخاص والمواقف التي سيواجهونها في المجتمع.
قد يكون الإعداد ضروريًا طوال فترة إقامة الطفل في السجن، ويجب تقديمه للأطفال من جميع الأعمار. وسيشمل عدة جوانب: السماح للأطفال بمغادرة السجن حتى يحافظوا على التواصل مع مجتمع أكبر وتلقي زيارات في السجن من أفراد الأسرة الذين يعيشون خارج السجن والمشاركة في أنشطة مماثلة لتلك الموجودة في الخارج، ولا سيما المشاركة في الألعاب أو مشاهدة التلفاز.
كما نضيف ملاحظة حول ما جاء في الفقرة 3 من المادة 120:” يشعر مدير المؤسسة السجنية النيابة العامة المختصة قبل فصل الطفل عن أمه، داخل أجل يحدد بنص تنظيمي.” فهذه الفقرة لم تهتم إلا بالإطار القانوني عندما يحين وقت فصل الطفل عن أمه، وكأن هذا الطفل لا يعتبر إلا تدبير إداري أو قانوني دون الأخذ بعين الاعتبار أنه أولا وقبل كل شيء طفل له مشاعر تجاه أمه، وتجاه المحيط الذي ترعرع فيه، ربما مدة 5 سنوات، ولربما طيلة هذه المدة لم يرى فيها العالم الخارجي، ولم يحصل له تواصل مع غير عالم السجن، ….
* لهذا نقترح إضافة مادة مستقلة تفيد تهييئ فصل الطفل عن أمه من جهة، ومن جهة أخرى فصله عن العالم الذي لا يعرف سواه، على غرار ما ورد بالقاعدة 52 من قواعد بانكوك، التي جاء فيها:
1- تتخذ القرارات فيما يتعلق بفصل الطفل عن أمه استنادا إلى تقييمات خاصـة بكـل حالـة علـى حدة وتراعى فيها في المقام الأول مصلحة الطفل، في إطار القوانين الوطنية ذات الصلة بالموضوع.
2- يجـب أن تعامــل مـسألة مغــادرة الطفــل للــسجن علــى نحــو يراعــي مــشاعر الطفــل ولا يـسمح ـا إلا عنــدما تحـدد ترتيبـات تكفــل لــه رعايـة بديلــة ، وبعـد التـشاور، في حالــة السجينات من الرعايا الأجانب، مع المسؤولين القنصليين.
3- بعـد فـصل الأطفـال عـن أمهـام وإلحـاقهم بأسـر هم أو بأقـارب لهـم أو تـأمين رعايـة أخرى بديلة لهم ، يتاح للسجينات أقـصى مـا يمكـن مـن الفـرص والتـسهيلات للقـاء أطفـاله، عندما يكون ذلك تحقيقا لمصلحة الطفل ولا يمس السلامة العامة.”
أما باقي المواد التي جاء بها مشروع قانون 23-10 والمتعلقة بحقوق الأطفال المرافقين لأمهاتهم السجينات، فهي تتعلق ب:
– الفحوصات والمتابعة الطبية، في المادة 33: ” … يخضع الطفل المرافق لأمه للفحص الطبي عند دخوله المؤسسة السجنية.” وفي المادة 101: “يجب أن يقوم الطبيب بفحص يشمل: “…المعتقلات الحوامل والأطفال المرافقين لأمهاتهم بالسجن.”
* نقترح أن يضاف إلى المادة 101 تحديد تخصص الطبيب الذ ي يقوم بفحص وتتبع الوضعية الصحية للأطفال المرافقين لأمهاتهم السجينات، كما ورد في القاعدة 9 من قواعد بانكوك، التي جاء فيها: ” إذا كان برفقة السجينة طفل، يخضع هذا الطفل أيـضا للفحـص الـصحي ويفـضل أن يقـوم بـه طبيب أطفال لتحديد طرق العلاج والعناية الطبية المطلوبة. وتوفر رعاية صحية مناسبة تعـادل على الأقل الرعاية الصحية المتوفرة في اتمع المحلي.”
– الرعاية الخاصة، حيث جاء في المادة 121: “يستفيد الأطفال المرافقون لأمهاتهم المعتقلات ﻤﻥ رعاية ﺨﺎﺼﺔ تستجيب لمتطلبات نموهم السليم.”
ونسجل هنا ان المادة 121 ذكرت الرعاية بصيغة مطلقة مما يفيد ان هذه الرعاية الخاصة تهم جميع مجالات الرعاية التي يحتاجها الطفل تساعد في نموه السليم، من رعاية طبية ونفسية واجتماعية و …
– النظام الغذائي، كما ورد في المادة 126: ” تتكفل إدارة المؤسسة السجنية بتوفير الماء الصالح للشرب وبتغذية المعتقلين وفق نظام غذائي متوازن يستجيب لضرورة الحفاظ على صحتهم.
يشتمل نظام التغذية على ثلاث وجبات يومية تحدد كميتها ونوعيتها بنص تنظيمي.
تحدد، بعد استشارة طبيب المؤسسة السجنية، أنظمة غذائية خاصة بالمعتقلين المرضى والنساء الحوامل والمرضعات والرضع والأطفال المرافقين لأمهاتهم.”
– العناية بالطفل الزائر، وردت في المادة 69: ” … توفر للطفل الزائر صغير السن التسهيلات المتاحة لتمكينه من زيارة ذويه المعتقلين في ظروف تراعي عمره.”
من خلال هذه المادة نلاحظ أن المشروع تعامل مع الطفل كفئة بغض النظر عن تواجده داخل المؤسسة السجنية مع أمه المعتقلة او كان زائرا لأحد أقاربه. وهذا اجتهاد وجب التنويه به باعتباره كان غائبا في التشريع السجني.
وندكر هنا ما جاء في القاعدة 28 من قواعد بانكوك، التي ورد فيها: “يجب أن تتم الزيارات التي يشارك فيها أطفال في جو يجعل من تجربة الزيارة تجربـة إيجابيـة مـن نواح عدة، مـن بينـها سـلوك المـوظفين، وأن يـسمح في هـذه الزيـارات بلقـاء مفتـوح بـين الأم والطفل. وينبغي تـشجيع الزيـارات الـتي يكـون فيهـا التلاقـي مـع الأطفـال ممتـدا لفتـرة طويلـة، حيثما أمكن”.
* وبالإضافة إلى ما جاء في هذا المشروع من مقتضيات تتعلق بالأطفال المرافقين لأمهاتهم السجينات، نقترح ما يلي:
– إضافة مادة تؤكد على أهمية “الحفاظ على سرية جميع المعلومات المتعلقة بهوية الأطفال”، كما جاء في الفقرة 2 من القاعدة 3 من قواعد بانكوك؛
– إضافة مادة تفيد ما جاء في الفقرة الأخيرة من القاعدة 29 من قواعد مانديلا: ” لا يُعامَل الأطفال، الذين يرافقون أحد والديهم في السجن، إطلاقاً كسجناء.”[3]
يتبع
عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية. ورئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان
[2] المادة 139: ” لا يمكن قبول الأطفال الذين يصاحبون أمهاتهم داخل المؤسسة السجنية، إلا بالموافقة الكتابية للسـلطة القضائية المختصة.يمكن بقاء الأطفال صحبة أمهاتهم، حتى بلوغهم سن الثالثة، إلا أنه يمكن بناء على طلب الأم، تمديـد هذا الحد بموافقة وزير العدل، إلى سن الخامسة.
تتكفل المصلحة الاجتماعية، قبل فصل الطفل عن أمه، بدراسة إمكانية وضعه بجهة تعتنـي بتربيتـه، شريطة موافقة من له حق الحضانة.”