الفكر باعتباره لغةً….
بقلم ذ سامر عبد الكريم ناصر
إذا كان لفرضية “اللغة الفكرية” ( Mentalais ) ، أي مجرد لغة ( داخلية ) للفكر والتي صاغها اللساني الأمريكي ج . أ . فودور ( .J . A Fodor ) كل مظاهر الوهم؛ فـإن النحو الجدلي ( Grammaire spéculative ) في التراث الإسلامي لمدرسة البصرة ، وفي تفكير الموديين في القرون الوسطى ، وفي “النحو العام” في العهد الكلاسيكي ، وفي النحو المسمى “توليدياً” ، يعتبر أن النحو في جوهره شيء واحد في كل الألسن ، وأن الاختلافات ليست إلا فروقاً عرضية. فالفكرة [ المقصودة هي فكرة بنية كونية للفكر البشري كامنة في كل الألسن ومستقلة عن الاختلافات السطحية].
في القرن الثامن عشر كان جايمس هاريس James Harris هو الممثل البارز للنظرية الفلسفية الكونية ؛ حدد كتاب هرمس Hermes ، ما يميز الاختلافات الهيكلية الخاصة بالألسن عن المبادئ الأساسية المشتركة بينها . فبما أن الدور نفسه تقوم به هنا العلامات الإعرابية وهناك مجموعات من الأدوات فإنه يتحتم البحث تحت التنوع السطحي عن ثبات علاقة لا تتغير . وفي فرنسا عبر نيكولا بوزي ( Nicolas Beauzée ) عن وجهة نظر مماثلة ، فالنحو في نظره يخضع لنوعين من المبادئ : المبادئ الناجمة عن المواضعات المتغيرة التي تكون أنحاء الألسن الخاصة ، والمبادئ الآتية من طبيعة الفكر البشري والصالحة بصفة كونية . ويعتبر النحوي الألماني ج . و . ماينر ( J. W. Meiner ) ( 1723 – 1789 ) أن الألسن « نسخ » متنوعة من أصل واحد ليس هو إلا كونية الفكر البشري ( الذي يماهي إن قليلاً أو كثيراً كما هو الشأن عند أرسطو باليونانية الكلاسيكية ). إن تطابق النسخ شديد التغير وكذلك تمامها: يدافع ماينر من منظار نحوي صرف عن المبدأ الذي يجب بمقتضاه أن يؤؤل كل لسان في ذاته ، وأن مقولات بعض الألسن لا يمكن فرضها على البعض الآخر بلا سوء عاقبة : لكن هناك فكرة كونية تهيكل في الفوارق اللسانية .
لقد أمكن لهذه التقاليد العقلانية أن تؤدي حتى إلى محاولة وضع “لسان كوني” لتصيره قابلاً مباشرة للاستعمال . وانطلاقاً من نظام ترميز جديد للفكر متحرر من تردد الألسن الطبيعية وتقريباتها، أراد لايبنتز أن يبتدع لغة توليفية يكون فيها كل شيء قابلا للتعبير الدقيق ، إنها كانت محاولة فاشلة. نصل من جديد إلى مسألة كليات اللغة التي ذكرناها سابقاً لكن بهذا الفارق المتمثل في أن المقاربة هنا استنتاجية تنطلق من اعتبارات فلسفية.
من فصل فلسفة اللغة من كتاب :
مدخل لفهم اللسانيات لروبير مارتان
ترجمة : الدكتور عبد القادر المهيري