نفحات رمضانية – الحلقة الثانية عشر – الخصام في رمضان

شهر رمضان هو شهر الروحانية والعبادة، وهو فرصة عظيمة للمسلمين لتطهير النفس وتقوية العلاقة مع الله. إلا أن ما يثير القلق أحيانًا هو ظاهرة الخصام والنزاع بين الأفراد خلال هذا الشهر المبارك. قد يبدو غريبًا أن يحدث الخصام في شهرٍ يُفترض أن يكون شهرًا للتصافي والتسامح، ولكن هذا واقع يواجهه البعض في حياتهم اليومية. ومن هنا يطرح السؤال: لماذا يحدث الخصام في رمضان وكيف يمكن تجاوزه؟
في البداية، يجب أن نفهم أن شهر رمضان ليس فقط فترة الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة للتطهير الروحي والنفسي. لكن مع الضغوط النفسية والجسدية التي ترافق الصيام، قد يزداد التوتر بين الأفراد، مما يساهم في حدوث المشاجرات والنزاعات. الجوع والعطش قد يسببان تغييرات في المزاج، وقد يواجه البعض صعوبة في التكيف مع ساعات النوم المختلفة، مما يجعل الشخص أقل صبرًا وأكثر انفعالًا.
لكن، إذا نظرنا إلى جوهر رمضان، نجد أن الخصام في هذا الشهر يتناقض مع روحانية الصيام وهدفه الأسمى. فالمسلم في هذا الشهر ملزم بتصفية قلبه، وحماية نفسه من العداوة والضغينة. ويعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن رمضان هو وقت للسلام والرحمة، فقد قال: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم”.
هنا تظهر فلسفة كبيرة في رمضان؛ فبدلاً من أن يكون الشهر فرصة لإشعال النزاعات، يجب أن يكون الشهر فرصة لتهدئة النفوس. وفي إطار العلاقات الاجتماعية، ينبغي على المسلم أن يتجنب الغضب ويعمل على التسامح والصلح بين الناس. إذا حدث خصام، يجب على الطرفين أن يعملا على حل الخلافات بروح من التعاون والتفاهم، بعيدًا عن التعصب والعناد.
وقد يكون من الحكمة أن يخصص المسلم وقتًا للتفكير في أولوياته خلال شهر رمضان. هل يفضل أن يستمر في الخلافات التي قد تجرح قلبه وتضعف عبادته؟ أم أنه سيتخذ من رمضان فرصة للتسامح وتجاوز العداوات؟ ومهما كانت المواقف، فإن الهدف في النهاية هو الوصول إلى السلام الداخلي والتقوى، وهو ما يدعونا إلى التفكير في كيفية تجاوز الخصام بأدوات من الرحمة والتسامح.
وفي النهاية، يمكن القول أن رمضان هو اختبار حقيقي للإنسانية والتعاطف مع الآخرين. فإذا كان الخصام يحدث في هذا الشهر، يجب على المسلم أن يتذكر أن فضائل رمضان لا تكتمل إلا بالسلام الداخلي والمصالحة مع الآخرين، فالعفو والتسامح هما من أعظم الأعمال التي يمكن أن تقربنا إلى الله في هذا الشهر الفضيل.