مقالات واراء

دور المثقف في التحولات المجتمعية

يعتبر دور المثقّف رياديا في عملية بناء مجتمع صالح متماسك عادل راقٍ متطور يسوده الأمن والسلام والمحبة. ويبدأ دور المثقف الفاعل في توعية أفراد المجتمع، ونشر الروح الوطنية والإنسانية والمساعدة في نمائه وتطوره، مع الاهتمام والرعاية الكبيرة لفئة الشباب ورعايتهم وجعلهم طرفًا فعّالاً في عملية التنمية الشاملة، على أساس أن الأوطان هي أوطان شابة عنوانها التطوير والتحديث، وتحتاج إلى غرس بذور الثقافة الوطنية ونقل الصورة الحقيقية لمعنى الوطن وأهميته في حياة الشعوب، ليكون مفهوم الوطنية محورًا جوهريًا لأبناء الوطن والركن الأساس الذي نلتقي عليه، وتذوب فوقه كل الفوارق والتفاوت الفكري والثقافي والاجتماعي.
ويبرز دور المثقف والتأثير على المجتمع من خلال شخصيته وأعماله التي تنعكس مباشرة على من حوله في المجتمع، خاصة إذا كان المثقف يتصف بالتواضع وعدم الاستعلاء على الآخرين وإيجاد نتاج ثقافي يسهم في تحسين سلوكيات المجتمع. إن المسؤولية الملقاة على كاهل المثقف في بناء الأوطان وتنميتها، بما يتناسب مع العهد الجديد ويدفع بالثقافة والفكر والإبداع إلى الأمام؛ من أجل مواصلة البناء وتحقيق الرفاهية للجميع، ويدفع عجلة التقدم والازدهار في الوطن إلى الأمام.
وفي ظل عصر الثورة الرقمية الذي فتح أبواب واسعة لتكنولوجيا الاتصال الحديثة التي ربطت العالم ببعضه، جلبت معها ثقافات وأفكارًا جديدة على المجتمعات، وأصبح اندماج أفراد المجتمع بهذه التقنيات اندماجًا مقرونًا بالتأثير على مستقبل أفكارهم وسلوكياتهم واتجاهاتهم وميولهم، من هنا يبرز دور المثقف في أخذ النافع وتجنب الضار وتوعية أفراد المجتمع .
لقد كان للمثقّـف اتّصال وثيق بالشّـأن العـامّ. حينها، كان حمَلـةُ الأقلام من الكتّاب الأدباء والباحثين قد دخلوا، على الحقيقة، في زمرة المثـقّـفين؛ أي في عداد تلك الفئة من الكتّاب التي لا تحترف الكتابة فحسب، بل التي تبدي أنواعاً من الالتزام بالقضايا العامّـة الجامعة، فتَـنْهَـمّ بها فكراً أو تنخرط في شؤونها واقعاً.

في جملة هؤلاء المثـقّفين من كانت قضايا الأمّـة والمجتمع والإنسان من موضوعات تفكيره وإنتاجه الأدبيّ أو الفنيّ أو الفكريّ، فيما كان فريقٌ ثانٍ منهم منغمساً في الدّفاع عنها في أطرٍ سياسيّة أو اجتماعيّة. وليس معنى ذلك أنّ الحدود فاصلةٌ، هنا، بين فريقٍ اقترن عنده الالتزامُ بالنّظر حصراً، وآخر جَاوَزَ حدود النّظر إلى العمل، بل القَصْد إلى التّنويه إلى الغالب على مَسْلك هذا وذاك. وفي ما عدا هذا الفارق – وهو ليس قليلاً كما سنلاحظ – فقد جمَع بينهما إدراكٌ مشترَك لوظيفةٍ أخرى للثّقافة والفكر غير الوظيفة المعرفيّة؛ هي الوظيفة الاجتماعيّة.

وكان الاستاذ بلقزيز قد انتقد، قبل ربع قرن، في كتابه «نهاية الدّاعيّة»، ظاهرةَ تغليب الكتّاب وظائفَهم الاجتماعيّة والسّياسيّة على وظائفهم المعرفيّة، ومَـيْـلِهم إلى أداء وظيفة الدُّعاة بدلاً من وظيفة مُنتجي المعارف والأفكار؛ ونبّـه إلى أنّ التزامَهم قضايا الشّعب والمجتمع إنّما هُـم يمارسونه بوصفهم مواطـنين، تُـرتِّـب عليهم حقوق المواطنة واجبَ ممارسة هذا الحـقّ في التّعبير والممارسة، لا بوصفهم مثـقّـفين يحملون رأسمالاً معرفيّاً عليهم استثمارُه خدمةً للفكر والمعرفة؛ التي هي، أيضاً، خدمةٌ عموميّة. ودعا ، في الخاتمة، نقد الدّاعيّة إلى اعتماد مفهومٍ آخر للالتزام مبْـناه على التزام المعرفة، أو الالتزام المعرفيّ، وتزويدِ المثقّفين المجتمعَ بحاجته من المعارف والرّؤى.

بيْد أنّ هجرة المثقّـفين كما يؤكد الاستاذ بلقزيز من السّياسة ومؤسّساتها المهترئة انعكس على بضاعتهم وحرفتهم نكوصاً متزايداً عن الشّأن العامّ، وتَـنَـكُّـباً وإعراضاً عن ملازمته. لا يُـدْرَى، على الحقيقة، ما إذا كان اختيارُهم أن يَـفْرنْـقِعوا عن العمل السّياسيّ الحزبيّ سيقودُهم، حُكْماً، إلى حُبوطٍ ويَآسة أم لا، لكنّ انكفاءَتَهم – اليوم – عن الشّأن العامّ أدْعَى إلى الفهم – لا التّفهُّـم – من انكفاء مَن لم يعيشوا تجربة التزامٍ في العمل (الحزبيّ مثلاً)، بل اكتفوا طويلاً بالالتزام نظراً وتأليفاً. هؤلاء أيضاً نِيلَ من علاقتهم بقضايا المجتمع والإنسان إلى حـدّ الضّرب عنها صفحاً؛ ربّما لِمَا عاينوهُ من انكسارات وهزائم تَكَبَّدها المجتمع ومُنِيَت بها آمالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock