كيفية الصلاة في شريعة اليهود..
عبد اللطيف شعباني
باتت الصلاة من بين الطقوس التي يمارسها اليهود يوميا، وبعدد ثلاث مرات، صباحا وظهرا وبعد غروب الشمس، وتؤدى فردية أو جماعية؛ تأتي الفردية بطريقة ارتجالية ولا علاقة لها بالأعياد والمواسم، بينما تؤدى الجماعية باجتماع عدد من الأشخاص في مكان مخصص للعبادة، وهو البيعة، وفق تعاليم رجالات الشريعة. وقد يقرأ اليهود في تلك الصّلاة نصوصا من التوراة في لفائف محفوظة في أماكن مخصصة لذلك، وهم يغطون رؤوسهم تعبيرا عن التقوى وإجلالا وتعظيما للخالق
وتجدر الإشارة إلى أنّ اليهود قبل ظهور المعبد، كانوا يصلّون في أماكن ينتقونها لقدسيتها، أو أماكن وقعت فيها بعض المعجزات، وظلّوا على هذا الحال حتى ظهر المعبد الذي يجتمعون فيه، فاكتسى صبغة القدسية من خلال النشاط الذي يتم داخله، إيمانا منهم أن المعبد هو المكان الأصلح الذي يستجيب فيه الإله لدعواتهم، وفي الوقت نفسه، يمتثلون لأوامر الرب عبر التزامهم بالوصايا التي أوردتها التوراة.
وإذا كانت هناك بعض صيغ الصلوات التي وردت في العهد القديم لأفراد، مثل إليعزر عبد أبراهام، يعقوب موسى حنا داود سليمان، فإنّ أبراهام وضع صلاة الصبح (شحريت)، ووضع إسحاق صلاة الظهر(منحه)، ووضع يعقوب صلاة المغرب (عرفيت). ويعدّ دانيال
] أول من أدى الصلاة ثلاث مرات في اليوم حسبما ذكر في العهد القديم.
1- شحريت (صلاة الصبح):
هي صلاة الفجر أو الصبح، ويبدأ موعدها مع شروق الشمس، وتبقى قائمة لمدة أربع ساعات، وتسمى أيضا صلاة الخالق، وتنقسم إلى:
– بركات الفجر، وهي من بداية كتاب الصلاة (السيدر) وحتى “تبارك من قال”.
– فقرات الترانيم، وتكون ابتداء من “تبارك من قال” إلى “فليتمجّد”
– الخالق أو تلاوة التوحيد، وتبدأ من بركة “خالق النور” وحتى صلاة “شمونة عسريه”.
2- منحه (صلاة الظهر):
وهي صلاة تقام ساعة الأصيل، وهي إحدى الصلوات الثلاث التي يؤديها اليهودي طوال اليوم، وقد أعطى الحكماء أهمية كبرى لصلاة “منحه”، وقالوا: “ليحرص الإنسان دائما على صلاة المنحه، إذ إنّ إيليا لم يستجب له إلا في تلك الصلاة”.
ومنحه (الهدية) هي ذلك الندر الذي يقدمه الفقير من القمح المجروش هدية للرب، وقدم قابيل أضحية للرب من ثمار الأرض، وتكون الهدية من القمح المجروش والحنطة، ثم يسكب الكاهن الزيت عليها ويطلق البخور.
3- عرفيت (صلاة المغرب)
هي الصلاة الثالثة في اليوم، وقد بدأت كصلاة فردية، ثم أدخل الربي جملئيل تعديلا عليها، وأصبح لزاما على كلّ يهودي أن يؤدّيها جماعة في المعبد، وقد ثار البعض على هذا التعديل لوجود خطر على ذهاب اليهود ساعة الغروب للصلاة في المعبد، لأن المعابد كانت خارج المدن، إلا أنّ التعديل ظلّ قائما.
– الصلاة الزائدة (النافلة):
تعدّ صلاة “الموسف” النافلة من أهم لحظات صلاة الصبح، وتهيمن على هذه الصلاة ثلاثة مواضيع خاصة بعيد رأس السنة، وتتمثل في ثلاث كلمات أساسية: “ملكوت” (ملك)، زخروت (ذكرى)، شوفَروت (نفخ الصور)[15]. وقد فسرت هذه النصوص في كثير من نصوص العهد القديم المأخوذة بالتوالي من التوراة وأسفار الأنبياء والمكتوبات. وتعلن نصوص الملك، سيادة الله: “يسود الرب وتمتد مملكته على كل شيء”.
وتمجد نصوص الذكرى (زخروت) العناية الإلهية، وما لها من أثر في مصير العالم “سنتذكر كل شيء أمام عرش مجدك”.
أما في ما يتعلق بنصوص شوفروت، فإنها تذكر بمشهد تجلّي الرب على طور سيناء، وما رافق ذلك من مشاهدة عظيمة: “كانت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وصوت بوق” (شوفر) شديد جدّا…فكان صوت البوق، يزداد اشتدادًا جدّا، وموسى يتكلم والله يجيب بصوت”.
يؤدي اليهود الصلاة بكل طقوسها، سواء فردية كانت أو جماعية، في مناسبات دينية، ولاسيما في الأعياد الخاص منها والعام
4- المنيان:
(نصاب صلاة الجماعة)
هي مجموعة مكونة من عشرة يهود من سن الثالثة عشر فما أكبر، تقوم بالصلاة أو بأي نشاط آخر، وتذكر المشنا مجموعة من الأنشطة والصلوات التي لا تستقيم بعدد أقل من عشرة أشخاص.
5- “شبت”:
يتميز يوم السبت “شبت” عن باقي الأيام الأسبوع في الشريعة اليهودية، بالمقدس أكثر من الدنيوي، ويفتتح الشهر بالطقس الخاص باحتفال “روش حودش” (بداية الشهر)، ويحتفى فيه أيضا في اليوم السابع بمباركة القمر الجديد.
6- أثر الصلاة:
تضفي الصلاة على شخص المصلي وعلى نشاطه التأملي قوة عظمى، وتجيب “القباله” على أحد أسئلة التلمود: “كيف نعرف أنّ الله نفسه يصلي؟” بالعبارات الآتية: “بفضل صلاة التنسّك ينجذب الإنسان نحو السمو بقوة لا تقاوم، فيندمج في حياة الأسرار الفعالة للحضرة الإلهية إلى حد أنّ الله نفسه يشارك في هذه الصلاة التي ينجزها العبد… إنّ الصلاة مثل السهم الذي يصوبه المصلي نحو السماء واسطته في ذلك قوس “الكونة”، وهي الانجذاب نحو أسفل النور الروحاني الإلهي الذي يبعث النور في حروف وكلمات هذه الشعيرة، لتصعد بعد ذلك إلى أعلى الدرجات.
إنّ الصلاة تعني أكثر من مجرّد تعبير عن عواطف دينية، وهي أكثر من مجرّد اعتراف وشكر شرع ليمجّد به المؤمنون في شعائرهم العادية، الرب بصفته خالقا وملكا. إنها أداة ترتقي بها الروح نحو الله.
الصلاة بالنسبة إلى المؤمن العادي تضرع يتوجه به الإنسان من نفسه خاصة، وفي الوقت نفسه مع الجماعة نحو الله؛ فهو يصلي متشحا في وشاحه “طيت” متخشعا في وحدته، وفي نفس الآن يشارك “العدة” أو المشهد من المصلين الذين يجب ألاّ يقلّ نصابهم عن المنيان أو العشرة، ليكونوا جميعا “عدوت” أو شهود يشهدون على فعل ما قاموا به. فالصلاة عبادة وتواصل لا انفصام بعده، وبينة قائمة، وهي في نفس الآن الوسيلة الفضلى للتقرّب من المحبوب.
– تفيلين (التفيلين):
هي شرائط من الجلد توضع عند صلاة الصبح في الأيّام العادية، يوضع أحدها حول الرأس، والثاني على الذراع الأيسر، ويوجد في “تفيلين الرأس” (تفيلا شل روش) أربع علب صغيرة في كل منها فقرة من العهد القديم. أمّا في تفلين اليد (تفيلا شل يد) فتوجد علبة واحدة بها جميع الفقرات السابقة على لفيفة واحدة.
وإلى جانب ما ذكر من الصّلوات، توجد صلوات أخرى إضافية نذكر منها:
– تفيلت هديريخ (صلاة الطريق)، وهي صلاة يتلوها المسافر طلبا للحفظ
– تفيلت شيفع (الصلاة السباعية)، وهي صلاة تشتمل على سبع بركات.
– جشيم (صلاة الاستسقاء)، وهي صلاة تقام طلبا لنزول المطر، ففي اليوم الذي يحتفلون فيه بنزول التوراة، يشرعون في ذكر فضائل الأمطار، وهم يدعون: “يا من تبعث الروح وتنزل المطر”.
– هازكارت نشامة (صلاة الترحم)، وفيها يقبل اليهود على ذكر موتاهم الأقرباء أو العظماء في صلواتهم بعد قراءة التوراة.
ويؤدي اليهود الصلاة بكل طقوسها، سواء فردية كانت أو جماعية، في مناسبات دينية، ولاسيما في الأعياد الخاص منها والعام، والتي حرصت الشريعة اليهودية على حفظها من النكبات التي كانت تنزل باليهود على يد الآشوريين والبابليين والرومان؛ فقد حرصت على حفظ الأعياد الكبرى، والتي نذكر منها:
أ- عيد الفصح: وهو عيد ظل اليهود يحتفلون به بمناسبة الخروج من مصر، بقيادة موسى عليه السلام، ويعتقد اليهود فيه، أنّ الرب قاد اليهود بنفسه، وأخرجهم من نير العبودية، ولأنّ “الخروج كان بصورة اضطرارية، إذ أعجلهم الخوف من اللحاق بهم، فقد أعدوا خبزهم على عجل فطيرا، قبل أن يختمر. لهذا أصبح على اليهود أن يأكلوا الخبز الفطير في الأسبوع الثالث من شهر نيسان، ويقيموا احتفالات مقدّسة في بداية العيد ونهايته، حيث يتلون الأدعية، ويقيمون الصلوات، ويحرقون القرابين”.
ارتبطت الصلاة عند اليهود ببداية خلق الكون على اعتبار أن ديانتهم أول الديانات السماوية الموحدة كتابيا
ب- يوم التكفير والغفران: يكون في الشهر السابع من السنة اليهودية، وفيه يطلب اليهود التكفير عن ذنوبهم في صلاة جماعية، ويمضون اليوم كله في الصلاة والصيام. ويسبق هذا اليوم تسعة أيام من التوبة عما ارتكبوا من آثام طول العام.
إنّ الطقوس وعوالم الصلوات هي أفضل وجهات التصوف اليهودي؛ ففيها يجد اليهودي مجاله المعتاد، سواء في الكم الهائل من الصلوات أو في التأويل الباطني الذي يخرج بالطقوس عن مفهومها المعتاد الذي جاءت به التوراة والموروث الديني على مدى الأزمان.