مقالات واراء

أنوار ليلة الجمعة : الرحمة …. وسيلة للسلام الداخلي والأمان في المجتمع

يكتبها ذ عبداللطيف شعباني// نائب رئيس التحرير

يعتبر خلق الرحمة أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع، فهي تساعد على توطيد علاقة أبناء المجتمع الواحد، ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ).[٢] والرحمة وسيلة للسلام الداخلي والأمان في المجتمع، فالمسلم يشعر بهدوء نفسي عندما يتخلق بخلق الرحمة.

كما أن “الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقَّة” (مفردات القرآن للراغب:1/347). وقيل: “هي رِقَّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه” (التحرير والتنوير لابن عاشور:26/21). وقيل: “هي رِقَّة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السُّرور حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص آخر” (الأخلاق الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن الميداني:2/3). قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [البلد: 17-18]. قال محمد الطاهر بن عاشور: “خصَّ بالذِّكر من أوصاف المؤمنين، تواصيهم بالصَّبر، وتواصيهم بالمرحمة، لأنَّ ذلك أشرف صفاتهم بعد الإيمان، فإنَّ الصَّبر ملاك الأعمال الصَّالحة كلِّها؛ لأنَّها لا تخلو من كبح الشَّهوة النَّفسانيَّة وذلك من الصَّبر، والمرحمة، ملاك صلاح الجماعة الإسلاميَّة قال تعالى: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح من الآية:29]، والتَّواصي بالرَّحمة فضيلة عظيمة، وهو أيضًا كناية عن اتِّصافهم بالمرحمة، لأنَّ من يوصي بالمرحمة هو الذي عرف قدرها وفضلها، فهو يفعلها قبل أن يوصي بها” (التحرير والتنوير لابن عاشور:30/361). أما السُّنَّة فقد استفاضت نصوصها الداعية إلى الرَّحْمَة، الحاثَّة عليها، المرغِّبة فيها إمَّا نصًّا أو مفهومًا، كيف لا وصاحبها صلى الله عليه وسلم هو نبي الرَّحْمَة كما وصف نفسه فقال: «أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرَّحْمَة» (رواه مسلم:2355، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه). – فعن النُّعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسَّهر والحمَّى» (رواه البخاري:6011، ومسلم:2586). يقول النووي معلقًا على هذا الحديث: “هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثِّهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه” (شرح النووي على مسلم:16/139). وقال ابن أبي جمرة: “الذي يظهر أنَّ التَّراحم، والتوادد، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأما التَّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه” (فتح الباري لابن حجر:10/439)، (اهـ) ملخصًا. – وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: “جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان فما نقبِّلهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة؟»” (رواه البخاري:5998). قال ابن بطال: “رحمة الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدًا: «من لا يرحم لا يرحم»؟” (رواه البخاري:5997، ومسلم:2318، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه). – وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء» (رواه بألفاظ متقاربة: أبو داود:4941، والترمذي:1924، وأحمد:2/160، 6494، قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه ابن دقيق العيد في الاقتراح:127، والعراقي في الأربعون العشارية:125، وحسنه ابن حجر في الامتاع:1/62، وصححه الألباني في صحيح الجامع:3522). قال شمس الدين السفيري: “فندب صلى الله عليه وسلم إلى الرَّحْمَة، والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافرًا، فكن رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره.

إن التحلي بخلق الرَّحْمَة له فوائد عظيمة وثمار جليلة، فما أن يتحلى المؤمن بهذه الحلية، ويتجمَّل بهذه السَّجيَّة حتى تظهر آثارها وتؤتي أكلها.. ليس عليه فقط، بل عليه وعلى من حوله، وسنعرض لبعض هذه الآثار والفوائد إجمالًا، فمن ذلك:
1- أنَّها سبب للتعرض لرحمة الله، فأهلها مخصوصون برحمته جزاء لرحمتهم بخلقه.
2- محبة الله للعبد، ومن ثم محبة النَّاس له.
3- ومن أعظم فوائدها، أنَّ المتحلي بها يتحلى بخلق تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- أنها ركيزة عظيمة، ينبني عليها مجتمع مسلم متماسك يحس بعضه ببعض، ويعطف بعضه على بعض، ويرحم بعضه بعضًا.
5- أنها تشعر المرء بصدق انتمائه للمجتمع المسلم، فمن لا يرحم لا يستحق أن يكون فردًا في المجتمع أو جزءًا منه؛ لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا ))
6- أنه على قدر حظ الإنسان من الرَّحْمَة، تكون درجته عند الله تبارك وتعالى، وقد كان الأنبياء أشدَّ النَّاس رحمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أوفرهم حظًّا منها.
7- أنها سبب لمغفرة الله تبارك وتعالى وكريم عفوه، كما أنَّ نقيضها سبب في سخطه وعذابه.
8- ومن أعظم فوائدها أنَّها خلق متعدٍّ إلى جميع خلق الله.
9- أنها سبب للالتفات إلى ضعفة المجتمع؛ من الفقراء، والمساكين، والأرامل، والأيتام، والكبار، والعجزة، وغيرهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock