قصيدتي الشعرية الأخيرة وحواشيها المتصلة بها
بقلم : د . مولاي علي الخاميري – أستاذ جامعي
حينما…………..
و………………
و……………
و………….
يضيء القمر في وسط السماء .
عندما……………
و………………..
و……………..
و…………….
ترتفع أحلامنا إلى عنان السماء .
وكلما………..
و……………..
و……………
و……………
ينتشر وهج عبيرنا على فضاءات السماء .
وبينما…………..
و……………..
و…………..
و…………..
نطير وأحلامنا محلقة في أجواء السماء .
هذا هو ديدن شعر اليوم مع أكثرية الشعراء المعاصرين : فقر وضيق وانحسار شديد لمدى الشعر الرحيب وعلى جميع المستويات ، وتكرار ممل وجاف على صعيد اللغة والأساليب نطقا وكتابة وإلقاء .
التشابه والاجترار والتقليد الأعمى المعتوه سمة ظاهرة بوضوح من سمات الشعر العربي المعاصر في كل الأقطار ، أصبح من يدعي الشعر من الذكور والإناث عالة قبيحة على مائدة الشعر الفيحاء ، ثقافتهم الضحلة ، وقلة الزاد المستزاد بسبب اختفاء ميزة الاطلاع الدائم على تجارب الشعر المختلفة ، ومستواهم اللغوي الضعيف ، وركاكة أساليبهم ، وزيف موهبتهم في دواخلهم جعلت معظمهم بلا تمييز ، بلا مسلك يمكن أن يضيف ويطور ، ويُحسَب في النهاية على الشعر .
ملاحظة عجيبة ألاحظها في عصرنا وهي كثرة الشعراء والشاعرات إلى حد الازدحام الممل والقلق في الأمسيات والحفلات واللقاءات والمهرجانات ، وعصرنا يشهد ضعفا مقيتا على صعيد كل مقومات الشعر ، وعلى رأسها اللغة ، وجل هؤلاء الشعراء والشاعرات عليهم أثر عياء وضعف لغوي بَيِّن ، وعندما يتكلمون أو ينشدون تراهم يبتعدون عن إظهار علامات الإعراب خوفا من كشف عوراتهم اللغوية ، ومع ذلك فهذا العدد الطافح ، والكم المصطنع من مدعي الشعر لم نشهد مثيلا له حتى في أعصر الشعر المزدهرة كالعصر الجاهلي والأموي والعباسي على سبيل المثال ، يوم كانت ناصية الشعر واللغة العربية رائجة بقوة وتفوق فيما بين الشعراء والمبدعين بصفة عامة…..فكيف نفهم هذا التناقض الصارخ بين الضعف والكثرة ، وأمرنا اليوم أشد فداحة وغرابة إذا علمنا أننا إذا قمنا بعملية إحصاء للشعراء والشاعرات سنجد أن مجموع عددهم في وقتنا يفوق مجموع عدد العصور المتقدمة انطلاقا من العصر الجاهلي وإلى زمننا ؟ ! .
وهذه الصورة المقلوبة تكفي لتُتَّخذ دليلا على أن هناك خللا كبيرا أصاب معنى الشعر لدينا ، وقضى على حرمته وجاذبيته وأدواره الجميلة على طول الحياة ، ويمكن أن يتسبب في إساءة بليغة لكل التراث الشعري العربي .
على الشعراء الحقيقيين من الذكور والإناث أن يجهروا بالحق ، وأن يهرعوا إلى وقفة تأملية تصدع في وجه أمواج الأوحال القائمة والقادمة ، وأن يقفوا على ما يراد بالشعر من مكاره ، فأولئك الشعراء هم من سيؤدي ثمن صمتهم ومحاباتهم ومجاراتهم للأمور السيئة التي تجري في مجال الشعر المعاصر للأسف الشديد .
أعرف أن الأمر ليس بهذه السهولة مع انتشار وسائل التواصل وتيسير أمر الكتابة والنشر والتحايل والادعاء ولكن ينبغي أن تكون هناك أصوات رشيدة ، تقوم بفعل الحراسة المجدية قبل فوات الأوان ، وإلا سيسقط السقف على الجميع ، وسينهار البناء – لا قدر الله – في رمشة عين وإذ ذاك سننطلق في رحلة العويل والتأسف التي لا تفيد ، ولا ترد ما ضاع منا ، ولا تصلح أخطاءنا .
اللقاءات الشعرية ضرورية ومفيدة جدا إذا كانت تخضع للمقاييس الفنية والفكرية الواجبة ، فلا ينبغي أن تقاس بالمصالح الذاتية المحدودة ، ولا أن تقوم على ترضية الخواطر ، ولا يفكر فيها بحساب الصفقات المتداول في صيغة تبادل الدعوات والحضور باستمرار هنا وهناك ، وفي هذا خلط وإساءة من جهتين كبيرتين : الجهة الأولى : اعتبار الإبداع الشعري متاحا للجميع ، وأنه لم تعد له حدود فطرية وفنية وثقافية معروفة ، فشعراء اليوم صالحون لكل التجارب ، ولهم قدرة فائقة على الأداء بكل الطرق المعروفة لدى أجيال الشعراء ومنذ القديم ، بل منهم من صار متعددا في ذاته : شاعرا وروائيا وزجالا ومسرحيا وقاصا وإعلاميا وأديبا ومؤرخا وفيلسوفا…….وهم في كل اللقاءات مفوهون وحاضرون ومنظرون ونقاد وقراء وكتاب ومتصدرون للمشاهد الثقافية……ولو كانت الألوهية باستطاعتهم ادعاء لما توانوا في تسجيلها في سيرهم الذاتية الغرة……..فسبحان من تعددت في ذاته كل الصفات والأفعال وتواضع لخلقه في كل الأوقات .
الجهة الثانية هي الاعتماد على مثل تلك اللقاءات ، واتخاذها معيارا صحيحا للحكم والتصنيف ، فكل من حضرها ، وألقى وسخه فيها يستحق لقب شاعر أو شاعرة ، وكلما ازداد عدد الدعوات والحضور كلما طلع الرصيد الشعري لمختلف الأشخاص ، وما هكذا توزن الأمور ، لأن الشاعر هو شاعر سواء تمت دعوته للمشاركة أم لا ، وما أكثر الأسماء الحقيقية التي تقصى لعلل ظاهرة وخفية خاصة إذا كانت لا تجامل ، ولا تشاكس ، ولا تقوم بما يجب عليها من ناحية الحضور والتصفيق والتبجيل ، ولا تؤسس لأنشطة معلومة وتدعو الآخرين لها على عادة ( عيط لي نعيط لك ) .
وقد سبق لي في منشور فائت أن أشرت إلى بعض الزلات القاتلة في الشعر القائم ، وأُذَكِّر هنا باثنتين منها : واحدة هي كتابتهم للشعر بنبرة ، أو بنفَس نثري مهلهل ، وهذا يُظهِر ضعف ثقافتهم الشعرية ، فهم وإن قرءوا فهم يقرءون المنتجات السردية بكثرة ، ثم يُسقِطون ما علق بأذهانهم على الشعر ، وثانيها التطويل السلبي الذي يدل على قصور في الملكة الشعرية ، ويتنافى مع مفهومه الإيجابي في الشعر ، ويُظهِر أثر البناء السردي في كتابة الشعر ، والأدهى أنه يفضح أولئك الشعراء في ثقافتهم العامة والخاصة ، ويكشف عن اختلاط الأمور في مخيلتهم ، ويبوح بعجزهم عن لَمِّ مواضيع الشعر المطروقة في الأفق والمساحات الملائمة والموائمة للإنشاء والتبليغ والإحساس والتأثير .
مأساة أخرى يعيشها الشعر المعاصر مع القراء ومن يدعي الدرس والنقد والتحليل ، فهؤلاء شَرَّعُوا في المجال بسِيرهم السيئة ما لم يكن في الحسبان ، فكتاباتهم بالمقابل المادي ، وتشوبها جريرة ترضية الخواطر ، أو الظفر بالحضور للأمسيات واللقاءات والمهرجانات على حساب المنظمين مع ضمان حسن الضيافة ولباقة السياحة ، والتحلية بالنعوت وبأوصاف العلم والمعرفة الكاذبة ، فأصيبوا – جراء كل ذلك – بعجرفة قاتلة ، منعتهم من النظر إلى أنفسهم باتزان وإنصاف ، وجعلتهم ينطلقون عبر هبات عنترية للحكم والرفع والخفض والادعاء وكأن ميدان الشعر المعاصر أضحى مُستَصغَرا ، ويجري عليه ما يجري على المساجين الضعفاء وهم في قبضة السجناء الأقوياء وزبانيتهم .
وما قلناه عن الشعر الفصيح يصح أن يستدل به وبدرجة سودوية أكبر على مجال الزجل ، فلغة الزجل العامية تغري الطالح والصالح ، وبراعة بعض الأميين وأشباههم ممن حباهم الله بموهبة الإبداع ، وبالرغم من قلة عددهم وانحسار مدى حضورهم مع انتشار العلم ، وشيوع التعليم إلا أن المشهد بقي وكأنه هو المألوف والصحيح ، يستطيع معه أصحاب الهشاشة الفكرية والإعاقة اللغوية أن يستثمروا في معطيات تاريخ الإبداع الزجلي ، ويدعوا فيه ما أرادوا وهم في الحقيقة جاهلون وكسالى ومتطفلون على مجال شريف ، لا يعرف دوره وقيمته إلا أهله وذووه .
قلت ما قلت وفي نفسي امل عريض بالإنقاذ والعودة إلى جادة الصواب في المستقبل ، لأن الإبداع بصفة عامة هو عطاء سماوي ، وله قواعده التي تحميه ، وإن كانت تجري عليه سنن الزمان من جهة القوة والضعف ، وأكيد أنه يعرف هويته الحقيقية ، ولن يزيغ عنها ، أو يتناسها وإن تكالبت عليه أيادي السوء ، وغشيته الأوحال من جميع الجهات ، فالموت النهائي لن يناله ما دام هناك إنسان على وجه الأرض ، وما فعلناه هو تذكير وصيحة في أذن كل غيور على ما أصبح عليه شعرنا المعاصر من قبح وتشويه وضعف ونقص وركاكة وتدنيس وتبخيس من لدن كل من هب ودب وكأنه فريسة مشاعة ، تفتقر إلى الحماية ، وتفتقد لمن يدافع ، ويذب عنها ، ويسعى لإزالة ما علق بها من انحلال وتفسخ كلي وعلى كافة المستويات .
فعلا هناك انحسار وجفاف لغوي، وكل من هب ودب أصبح يسمي نفسه شاعرا. فنشر قصيدة شعرية على موقع من مواقع التواصل الإجتماعي وحصولها على
” لايكات” ترضية لكاتبها تجعله يصدق انه فعلا شاعر ويعطي لنفسه مكانة ” شعرية” هو لازال بعيدا عنها.
ومانراه في المهرجانات من ترضيات ومن استضافات لأشباه الشعراء يزيد من استفحال هذه الظاهرة الغير الصحية والتي توهمنا ان الشعر بخير في حين أن
” الكم الشعري السوقي” هو السلعة المتداولة في غياب شبه تام للمنتوج الشعري الحقيقي.