مقالات واراء

الدوق: قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا.. مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (5)

2.2 أنسنة الاعتقال
جاء مشروع القانون 23-10 بمجوعة من المقتضيات الأساسية التي تؤكد على أهمية أنسنة الفضاء السجني، منها ما يتعلق بظروف الاعتقال، ومنها ما يتعلق بالمعتقلين في وضعية هشاشة كالنساء والأحداث، ومنها ما يتعلق بالأمن واستعمال القوة، ويتجلى ذلك في المواد التالية:
– احترام مبدأ التعايش بين المعتقلين الموضوعين في الغرف الجماعية (المادة41)
– توفير التسهيلات عند زيارة الطفل (المادة 69)
– استفادة المعتقلات الحوامل والمرفقات بأطفالهن من نظام اعتقال ملائم لوضعيتهن (المادة119)
– مراعات مبدا التناسب عند استعمال القوة (المادة 175)
– منع وضع الاصفاد للنساء أثناء المخاض والولادة وبعد الوضع مباشرة (المادة 176)
– عدم تطبيق نظام العزلة، كإجراء وقائي لمدة 48 ساعة على النساء الحوامل والمرضعات والمرفقات بالأطفال والأحداث (المادة 199) .
– عدم تنفيذ تدبير الوضع بزنزانة التأديب على المعتقلين الأحداث والنساء الحوامل والمرضعات والمرفقات بالأطفال (المادة 207).
– تحديد مدة الوضع في العزلة (م 210)
نسجل بعض الملاحظات حول هذه الجوانب الايجابية:
* أشارت المادة 41 إلى أنه” تخصص أماكن الاعتقال الجماعية للمعتقلين المؤهلين للتعايش فيما بينهم، والمنتمين إن أمكن لنفس الصنف ” ، داخل زنازين جماعية، إلا أنها لم تشر إلى المعايير التي تفيد إمكانية التعايش وهنا يطرح التساؤل حول المعتقلين الغير المؤهلين للتعايش مع الآخرين. هل توضع لهم برامج خاصة تؤهلهم للتعايش مع الغير، ام يوضعون في زنازين انفرادية؟ وفي هذه الحالة الأخيرة، هل أن يستغل بعض النزلاء هذا الوضع؟
* جاء في المادة 210: “لا يجوز أن تتجاوز مدة الوضع بالعزلة عشرين (20) يوما، ما عدا لأسباب صحية.
لا يجوز تمديد مدة الوضع بالعزلة إلا للضرورة القصوى ولمرتين على الأكثر بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالسجون بعد أخذ رأي مدير المؤسسة السجنية والطبيب والأخصائي النفساني. “
إن نظام العزلة هو إبقاء السجين بمفرده في زنزانته لأكثر من 22 ساعة في اليوم. ونظراً لطبيعته الضارة  بالصحة الجسدية والعقلية للشخص المعني، فلا يجوز استخدامه إلا في ظروف استثنائية، وتحت إشراف صارم ولفترة محدودة. وهذا ما صرحت به القاعدة 38 من قواعد مانديلا في فقرتها الثانية: ” تتَّخـذ إدارة الـسجن حيـال كـل سـجين يخـضع أو خـضع للفـصل مـا يلـزم مـن تـدابير للتخفيـف مـن الآثـار الـضارة المحتملـة لهـذا النـوع مـن الحـبس عليـه وعلـى مجتمعـه إثـر إطـلاق سراحه من السجن.”
وقد يعتبر نظام العزلة، في بعض الحالات، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حتى تعذيباً، حسب الظروف.
لهذا لا ينبغي أبدًا إخضاع الأطفال والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية والنساء الحوامل أو المرضعات أو المحتجزات مع أطفالهن لهذا النوع من العزلة، كما أشارت إليه المادة 199 من المشروع.
ونظرا لطبيعة نظام العزلة ويمثله من قساوة الاعتقال، فقد خصص له المشروع بابا (المواد 208-210)، كما جاء ذكر العزلة في هذا المشروع في المواد 41، 101، 149، 190، مرتان في المادة 199.
وبالتالي، حددت المادة 210 مدة الوضع بالعزلة في عشرين يوما، وهذا يعتبر تقدما ملموسا بالمقارنة مع ما جاء في قانون 98-23 في المادة 33 التي تحدد مدة العزلة في شهر[1]. إلا أن المادة 210 فتحت مجال التمديد للإدارة المكلفة بالسجون، يعني المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج، مرتين على الأكثر، بعد أخذ رأي مدير المؤسسة السجنية والطبيب والأخصائي النفساني حول إمكانية التمديد.
وهنا، نطرح السؤالين التاليين:
لماذا تتولى الإدارة المركزية اتخاذ هذا القرار، والمدير لا يكون إلا مبديا للرأي؟ فالأصل هو أن يكون هذا القرار من مسؤولية مدير المؤسسة باعتباره المسؤول عن تدبير المؤسسة السجنية، كما جاء في المادة 13[2] من هذا المشروع، مع إشعار المندوبية كما هو مفصل في مواد أخرى من هذا المشروع[3].
هل إمكانية التمديد لن تكون متعارضة مع القاعدة 43-1 من قواعد مانديلا[4]، التي حظرت الحبس الانفرادي المطول، والقاعدة 44[5] التي أكدت على أن مدة الحبس الانفرادي لا يجب أن تتجاوز 15 يوما؟
ومشروعية هذا السؤال تتجلى في صعوبة تحديد ماهية “الضرورة القصوى” من جهة، ومن جهة أخرى، في مدة التمديد والتي قد تصل إلى 60 يوما (شهرين) وهو ما يعادل 4 مرات ما أكدت عليه القاعدة 44 المشار إليها أعلاه.
* لهذا وإن كان مبدأ الوضع في العزلة قد يكون لأسباب وقائية (أمنية، صحية، …)، فأننا ندعو إلى بيان الأسباب التي تدعو إلى التمديد وتحديد مبرراته، وخصوصا فيما يتعلق ” بالضرورة القصوى”.
3.2. منع استعمال القوة إلا بشروط، وأدوات تقييد الحرية، ومراعاة مبدأ التناسب:
 إن استخدام القوة في المؤسسات السجنية لا يكون إلا الاستثناء ويستخدم كملاذ أخير. ويجب أن تحدد الحالات التي تبرر استخدام القوة بنص قانوني. وحتى لا يعتبر استعمال القوة تعسفا، يجب أن يحترم مبادئ الشرعية والضرورة والتناسب. ويجب أيضًا وضع إجراءات رقابية، ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات ومعاقبتهم.
ونسجل أنه قد تم التصريح بتقييد استعمال القوة ومراعاة مبدأ التناسب وما هو ضروري في المادة 175 من هذا المشروع، حيث جاء فيها: ” يُمنع على الموظف استعمال القوة تُجاه المعتقل، إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، أو عند محاولة الهروب، أو عند إلقاء القبض على المعتقل الهارب أو عند المقاومة باستعمال العنف، أو عند عدم الامتثال للأوامر القانونية.
في حالة اللجوء إلى استعمال القوة، يجب أن يراعى مبدأ التناسب وينحصر في حدود ما هو ضروري للسيطرة على المعتقل.”
لقد أكد مشروع القانون 23-10 بالإشارة إلى هذه المقتضيات، ما هو مسطر بالمادة 64 من قانون 98-23، وبذلك يصرح بضرورة احترام كرامة الانسان ورفع اللبس عن كل ممارسة قد تتخذ من الحفاظ على الأمن ذريعة لاستعمال القوة بدون شرط أو قيد.
وتجدر الإشارة ونحن نذكر المادة 175، أن فقرتها الثانية قطعت مع استعمال مصطلح ذي حُكم قيمة، ألا وهو “المتمرد” المتواجد بالمادة 64 من قانون 98-23[6].
أما المادة 176 فقد أشارت إلى أنه: ” لا يجوز استخدام أدوات تقييد الحرية من أصفاد وقيود وقميص القوة لمعاقبة المعتقل إلا استثناء وبأمر من مدير المؤسسة السجنية أو بناء على تعليمات الطبيب في الحالات التالية:
– ﺇﺫﺍ ﺃﻅﻬﺭ المعتقل تصرفا عدوانيا ﺃﻭ ﻋنفا ﺠﺴﺩيا ﺨﻁﻴﺭا ﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻐﻴﺭ؛
– ﺇﺫﺍ حاول الانتحار ﺃﻭ ﺍلاعتداء ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ؛
– ﺇﺫﺍ ﺃﺼﻴﺏ بنوبة ﻨﻔﺴﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﻘﻠﻴﺔ قد يترتب عليها سلوك يَضُرُّ به أو بالغير؛
– إذا لم تتوفر وسيلة أخرى تمكن من السيطرة على المعتقل أو منعه من إحداث أضرار؛
– إذا تعذر تأمين حراسته على نحو كاف دون استعمال الأصفاد عند نقله أو إخراجه من المؤسسة السجنية؛
تُشعر الإدارة المكلفة بالسجون فورا بهذه الإجراءات.
يمنع وضع الأصفاد للنساء أثناء المخاض والولادة وبعد الوضع مباشرة.”
ونحن نشير إلى أهمية ما جاءت به هذه المادة من مقتضيات، وخصوصا ما ذكر في الفقرة الأخيرة، من حيث منع وضع الأصفاد للنساء أثناء المخاض والولادة وبعد الوضع مباشرة، فلا بد من تسجيل ملاحظة هامة، مادام الأمر يتعلق بمعاملات قد تؤدي على العنف وسوء المعاملة، إذا لم تصل أحيانا إلى ممارسة التعذيب.
إن تأملنا لصياغة الفقرة الأولى من هذه المادة: ” لا يجوز استخدام أدوات تقييد الحرية من أصفاد وقيود وقميص القوة لمعاقبة المعتقل إلا استثناء وبأمر من مدير المؤسسة السجنية أو بناء على تعليمات الطبيب في الحالات التالية: …” قد جاءت مغايرة لما كانت عليه نظيرتها في قانون 98-23 الجاري به العمل حاليا، وهي المادة 62، التي صيغت كالتالي:
” لا يجوز أن تستعمل للمعاقبة وسائل الضغط، كالأصفاد والقيود وقميص القوة.
يمكن استعمال هذه الوسائل بصفة استثنائية بأمر من مدير المؤسسة، إما تلقائيا أو بناء على تعليمـات الطبيب، إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى، تمكن من التحكم في المعتقل أو منعه من إحداث خسائر أو من إلحاق أضرار بنفسه أو بالغير. …”
فالفرق بين الصياغتين هو أنه في المادة 62 من قانون 98-23 توقفت الجملة عند “قميص القوة” ووضعت علامة نقطة “.” كإضافة تأكيد على أن الأصل هو عدم جواز استعمال وسائل الضغط، كالأصفاد والقيود وقميص القوة للمعاقبة. ثم ذكرت المادة الاستثناءات بعد ذلك. فبالإضافة إلى قوة معنى أضيفت القوة الرمزية للمنع. وهذا ما لم تحافظ عليه المادة 176 من هذا المشروع.
*لهذا نقترح:
– إعادة صياغة المادة 176 مع تسجيل فاصل بعلامة نقطة “.” كما بينا أعلاه؛
– ضبط مدة وضع هده القيود، كما جاء في الفقرة 3 من المادة 62 من ق 98-23: ” يجب ألا تتعدى مدة استعمال هذه الوسائل المدة الضرورية.”
– إضافة استشارة الطبيب عندما يكون أمر وضع هذه القيود من مدير المؤسسة السجنية، كما جاء في فق 4 من المادة 62 من ق 98-23: “تتم استشارة الطبيب بشأن كل ما يتعلق باستعمال هذه الوسائل أو بوضع حد لاستعمالها.”
– وبالتالي نقترح صياغة هذه المادة كالتالي:
” لا يجوز استخدام أدوات تقييد الحرية من أصفاد وقيود وقميص القوة لمعاقبة المعتقل. يمكن استعمال هذه الوسائل بصفة استثنائية وبأمر من مدير المؤسسة السجنية أو بناء على تعليمات الطبيب في الحالات التالية:
– ﺇﺫﺍ ﺃﻅﻬﺭ المعتقل تصرفا عدوانيا ﺃﻭ ﻋنفا ﺠﺴﺩيا ﺨﻁﻴﺭا ﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻐﻴﺭ؛
– ﺇﺫﺍ حاول الانتحار ﺃﻭ ﺍلاعتداء ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ؛
– ﺇﺫﺍ ﺃﺼﻴﺏ بنوبة ﻨﻔﺴﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﻘﻠﻴﺔ قد يترتب عليها سلوك يَضُرُّ به أو بالغير؛
– إذا لم تتوفر وسيلة أخرى تمكن من السيطرة على المعتقل أو منعه من إحداث أضرار؛
– إذا تعذر تأمين حراسته على نحو كاف دون استعمال الأصفاد عند نقله أو إخراجه من المؤسسة السجنية؛
يجب ألا تتعدى مدة استعمال هذه الوسائل المدة الضرورية.
تتم استشارة الطبيب بشأن كل ما يتعلق باستعمال هذه الوسائل أو بوضع حد لاستعمالها.
تُشعر الإدارة المكلفة بالسجون فورا بهذه الإجراءات.
يمنع وضع الأصفاد للنساء أثناء المخاض والولادة وبعد الوضع مباشرة.”
يتبع
عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الإنسان في أماكن الحرمان من الحرية. رئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان.
[1] المادة 33 من قانون 98-23: ” لا يمكن أن تتجاوز مدة العزلة شهرا واحدا، إلا بمقتضى قرار يتخذه مدير إدارة السجون، بناء علـى رأي مدير وطبيب المؤسسة.”
[2] المادة 13: ” تدبر المؤسسة السجنية من قبل مدير يساعده في مهامه مسؤول إداري مساعد أو أكثر.
يعد مدير المؤسسة السجنية نظاما داخليا تصادق عليه الإدارة المكلفة بالسجون.”
[3] كالمواد التالية والواردة بمشروع قانون 23-10: 19، 28، 29، 30، 31، 33، 35، 36، 37، 41، 47، 53، 69، 70، 73، 84، 94، 100، 112، 114
[4] القاعدة 43-1: ” لا يجوز بأيِّ حال من الأحوال أن تصل القيود أو الجزاءات التأديبية إلى حدِّ التعـذيب أو غيره مـن ضـروب المعاملـة أو العقوبـة القاسـية أو اللاإنـسانية أو المهينـة. وتحظـر الممارسـات التالية، على وجه الخصوص:
(أ) الحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمَّى؛
(ب) الحبس الانفرادي المطوَّل؛
… ”
[5] القاعدة 44: ” يشير الحبس الانفرادي في سياق هذه القواعد إلى حـبس الـسجناء لمـدة ٢٢ سـاعة أو أكثـر في اليـوم دون سـبيل لإجـراء اتـصال ذي معـنى مـع الغـير. ويـشير الحـبس الانفـرادي المطـوَّل إلى الحبس الانفرادي لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً متتالية.”
[6] المادة 64 من قانون 98-23: “في حالة اللجوء إلى استعمال القوة، فإن الاستعمال يجب أن ينحصر في حدود ما هو ضروري للتحكم في المعتقل المتمرد“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock