“جيل Z” الزلزال الصامت الذي هز الأحزاب السياسية المغربية من الأعماق

مكتب أكادير/ هشام الزيات
في خضم صمت سياسي ثقيل، وبين خطاب رسمي يحاول جاهدا رسم مشهد “الاستقرار”، خرج جيل Z عن صمته فجأة، وبدون سابق إنذار، وجدنا أنفسنا أمام زلزال شبابي هز المشهد السياسي في المغرب من أساسه، وكشف هشاشة البنية التواصلية للأحزاب السياسية، بما فيها تلك التي كانت تدعي قربها من الشباب، و”تحاكي” لغتهم .
“جيل Z” الجيل الرقمي، الجيل السريع، الجيل الذي تربى على حرية التعبير الفوري، وعلى “اللاانتظار” خرج إلى الساحات، وإلى الشبكات، وأطلق صرخاته بوسائله الخاصة، لا بلاغات، لا وساطات، ولا زعامات، فقط صوت حقيقي، تعبيري، صادم، لكنه نابع من قلب واقع اجتماعي يزداد هشاشة و اختناقا .
ما إن بدأت حرارة هذا الحراك الشبابي في التصاعد، حتى تحركت شبيبات الأحزاب، بعضهم في العلن، وآخرون اختاروا السرية، اجتمعت القيادات الشابة، استعادت ما تبقى من مصداقية، وبحثت عن صيغ لمجاراة هذه الموجة الجديدة التي فاجأتها لكن الأمانة تقتضي القول: الأوان قد فات،
“جيل Z” لا يبحث عن شعارات، ولا عن تأطير كلاسيكي، لا ينتظر مؤتمرات ولا “يؤمن” بخطاب الإنجازات الورقية، هذا الجيل لا يطرق أبواب الأحزاب، بل يصنع أبوابه بنفسه، ويفتح نوافذه على العالم، ويقارن، ويحلل، ويفضح .
ومع اشتداد العاصفة، بدأت ملامح التملص من المسؤولية تطفو على السطح، أحزاب الأغلبية الحكومية دخلت في لعبة “شي كايلوح الكرة لشي”، كل طرف يحمل الآخر مسؤولية الإخفاقات المتراكمة: من أزمة التعليم، إلى انهيار الثقة في الصحة العمومية، وصولا إلى انسداد الأفق الإقتصادي أمام الشباب، لكن الشارع اليوم لم يعد يشتري هذه المبررات، ولا تنطلي عليه مناورات التبرير أو محاولات “التغطية بالشعارات” .
“جيل Z” بكل بساطة، قالها بصوت عال: أنتم لا تمثلوننا، الزلزال الذي لم تتوقعه الأحزاب، ربما كان يظن أن عزوف الشباب عن التصويت هو نهاية القصة، لكن الحقيقة كانت مغايرة، العزوف لم يكن علامة على اللامبالاة، بل على الاحتقان، وجاء الانفجار بشكل رقمي وميداني معا، بلا إذن ولا وسطاء .
“جيل Z” هو الزلزال الجديد الذي ضرب المنظومة الحزبية من حيث لا تدري، زلزال لا يشبه ما قبله، لأنه لا يطالب فقط بالتغيير، بل يعيد تعريف معنى السياسة، ويطرح سؤالا وجوديا على الأحزاب: ما دوركم اليوم؟ وهل لا زلتم جزءا من الحل أم أنكم أكبر جزء من المشكلة؟
إلى أين من هنا؟
إذا لم تفهم الأحزاب السياسية هذا التحول العميق، وإذا استمرت في التفكير بعقلية “التحكم في المشهد”، فإنها لن تندثر فقط، بل ستتحول إلى كائنات سياسية زائدة عن الحاجة
“جيل Z” لم يطلب الكثير: فقط تعليم يحترم ذكاءه، صحة تحفظ كرامته، شغل يضمن له الاستقلال، وساسة يتحدثون إليه لا فوقه .
لكن يبدو أن تلك المطالب، رغم بساطتها، لا تزال عصية على الفهم السياسي التقليدي، ويبقى السؤال المفتوح: هل تدرك الأحزاب أن زمن التحكم في الوعي قد انتهى؟ وأن “جيل Z” قد دق ساعة الحقيقة؟



