عَازِفٌ من مكان بعيد!….

بقلم رحال لحسيني
يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ خشبي مُغَطَّى بِقُمَاشٍ قَدِيمٍ، في منحدر الغدير يَتَّكِئَ بِصَدْرِهِ عَلَى ظُهْرِ آلَتِهِ الوترية، هذا الصباح، يغمض عينيه قَلِيلاً وَيَنْتَشِي…
هدير عِنَاقِ أَغْصَانِ غَابَةٍ في سَفْحِ جَبَلٍ شَاهِقٍ، يَحْمِلَ وَهَجُ لَحْنِه ثُمَّ يُعِيدُه إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يَأْتِيه مِنْ بُعَيْد.
ايقاع عَتِيق يُشْبِهُ كَلِمَاتٍ باسقة لا تَحْتَمِلُ زَخَارِفَ اَللُّغَات.
خَفَقَانٌ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ يُضَمِّد جُرُوحًا تَشِعُّ من ثَنَايَا نشوة النظر،
ذَبْذَبَاتٌ تنحت شَوْقَهَا كَكُوَّةِ ضَوْء فِي سَدِيمِ الوجدان.
كُلَّمَا اِنْفَلَتَتْ نَغَمَاته مِنْ مَطَبَّاتِ اَلتَّمَنِّي، لَامَسَتْ مساحات الظنون، ورَشَّحَ جَمَالُ أنغامه اَلْمُحْتَمَلَةِ سُكُون المكان.
تغاريد، مِيَاهِ نَبْعٍ جانبي يَخْفِتُ فِي مَصَبِّ اَلْخَفَقَانِ، صمْتُ اَلنَّهْرِ عِنْدَ قَنْطَرَةِ عُبُورِهِ،
يُخَاطِبُه:
– استمع إِلَى نَبْضِكَ أَيُّهَا اَلْعَازِفُ اَلْهِنْدِيُّ، اَلزِّنْجِيُّ، اَلْكُرْدِيَّ، اَلتُّرْكي، اَلرِّيفِيَّ، اَلْجَبَلِيَّ، اَلْأَطْلَسِيّ، اَلسُّوسِي، الغرناطي، الفوغالي، الكناوي، الصوفي، اَلْعِيسَاوِيّ، والأندلسي.. الأسير.
(ونبض “العيطة” و”الركادة” و”المطروز” و”الدقة” و”الرما”…)!
يُوشِك اَلْوَقْتُ عَلَى اَلْمُغَيَّبِ، يَتْرُكُ آلته وَكُرْسِيه فِي مَكَانِهِما، وَيَمْضِي.
رحال لحسيني
7 شتنبر 2022