مقالات واراء

قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (8)

عبدالحق الدوق*

5.2. احترام الكرامة الإنسانية:
أكدت قواعد مانديلا على أهمية احترام الكرامة الإنسانية، ابتداء من القاعدة الأولى التي أقرت كمبدأ عام وأساسي، أنه: ” يُعامَل كلُّ السجناءِ بالاحترام الواجب لكرامتهم وقيمتهم المتأصِّـلة كبـشر.”

ومن مستجدات مشروع القانون 23-10 أنه قد أقر باحترام الكرامة الإنسانية، وذلك بالإشارة إليها في أربعة مواد (63، 73، 171، 172 و173) سنفصل فيها فيما بعد. ويعتبر هذا التأكيد تحولا نوعيا وجب التنويه به، خصوصا لما نسجل أن القانون الحالي المنظم للمؤسسات السجنية 98-23 لم يشر إلى الكرامة الإنسانية إلا مرة واحدة في المادة 63، سنذكرها عند تحليلنا لمحتوى المواد المعنية في مشروع القانون موضوع دراستنا.

لن نقف طويلا على المادة 63 التي جاء فيها انه: ” لا يجوز المساس بالسلامة الجسدية للمعتقل أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله في حق المعتقل، ومن قبل أي كان جريمة يعاقب عليها طبقا لأحكام مجموعة القانون الجنائي.” لأنه سبق وأن تطرقنا إليها في مقالنا الثالث عند حديثنا عن عدم المساس بالسلامة الجسدية، وفي مقالنا السادس حيث فصلنا في موضوع مناهضة التعذيب وغـيره مـن ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة، بالإضافة إلى المقترحات التي قدمناها بخصوصها، يمكن الرجوع إليها . إلا اننا سنذكر في هذا المقال، ما اقترحناه من أجل إعادة صياغتها:

” يُمنع المساس بالسلامة الجسدية للمعتقل، كما يُمنع بأيِّ حال من الأحوال أن تصل القيود أو الاجراءات التأديبية إلى حدِّ التعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله في حق المعتقل، ومن قبل أي كان جريمة يعاقب عليها طبقا لأحكام مجموعة القانون الجنائي. ولا يجوز التذرُّع بأيِّ ظـروف باعتبارها مسوِّغاً لـه.”

أما المادة 73 فقد تطرقت إلى تفتيش الزوار وأهمية صيانة كرامتهم، حيث أفادت أنه: ” يجب تفتيش الزوار، بما في ذلك التفتيش الجسدي، من قبل موظفين من نفس الجنس في مكان خاص، وفي ظروف تصان فيها كرامتهم، وفي حالة رفضهم يمنعون من الزيارة.
يجوز بعد الانتهاء من الزيارة تفتيش الزوار في حالة الشك.
إذا عثر بحوزة الزائر عند تفتيشه على مواد أو أشياء يمنع إدخالها للمؤسسة السجنية، يقوم مدير المؤسسة بضبطه وإشعار النيابة العامة المختصة عند الاقتضاء.”

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون 98-23 لم يشر في أية مادة من مواده إلى تفتيش الزائرين. وبالتالي سيساهم هذا المشروع في تنظيم عملية تفتيش الزوار، من حيث تهييئ أماكن خاصة للقيام بتفتيشهم بشكل يحترم كرامتهم، وتحديد موظفين من نفس جنس كل زائر أو زائرة، تبعا لمساطير واضحة.

أما المادة 171 فقد جاء فيها: “يقوم الموظف ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﺍلمعتقل ﺃﻭ بحضوره بإجراء ﺘﻔﺘﻴﺵ ﻤﻨﺘﻅﻡ ﻭﺩﻗﻴﻕ يراعي كرامته بمختلف الأماكن ﺍﻟﺘﻲ يقيم فيها ﺃﻭ يعمل بها ﺃﻭ يدخل ﺇﻟﻴﻬﺎ.
تمسك سجلات خاصة تدون فيها عمليات التفتيش ونتائجها وهوية الموظف الذي قام بها.”

وإذ نسجل حرص المادة على توثيق عملية التفتيش، وبهذا تكون قد ساهمت في الحرص على احترام كرامة المعتقل عندما يتم تفتيش مكان إقامته بالمؤسسة السجنية او في أي مكان يخصه، إلا أنها لم تذكر تجليات هذا الاحترام.

لهذا نقترح إضافة عبارة تفيد ماهية احترام كرامة المعتقل عند القيام بعملية التفتيش، تنبه الموظف على عدم اتلاف أغراض المعتقل أو بعثرتها.

تشير المادة 172 إلى أنه: “يجوز تفتيش المعتقل في كل وقت، وكلما ارتأى مدير المؤسسة السجنية ضرورة لذلك.
يفتش المعتقل على الخصوص عند دخوله إلى المؤسسة السجنية، وعند إخراجه أو خروجه منها وإرجاعه أو رجوعه إليها، وعند نهاية كل نشاط يومي، وقبل أو بعد أي زيارة أو مقابلة.
لا يجوز تفتيش المعتقل إلا من قبل موظف من جنسه، وفي ظروف تصان فيها كرامته، مع ضمان فعالية المراقبة.”

نسجل ان محتوى هذه المادة مستنسخ بما هو وارد بالمادة 68 من القانون 98-23 مع سحب عبارة “لأي سبب من الأسباب”، مما يؤكد طموح هذا المشروع في الرفع بمستوى احترام الحقوق للسجينات والسجناء.
جاء في المادة 173 أنه: “يفتش المعتقل بواسطة الجس أو باستعمال أجهزة الكشف عن الأشياء والمواد الممنوعة، وعند الضرورة يفتش جسديا مع نزع الثياب، ولا يمكن تفتيش تجاويف الجسم إلا من قبل أحد مهنيي الصحة العاملين بالمؤسسة السجنية أو موظفين مكونين لهذا الغرض.
يجب أن يتم التفتيش في مكان يحفظ خصوصية المعتقل ويصون كرامته.”

إن الحفاظ على الأمن داخل المؤسسات السجنية قد يفرض على المسؤولين القيام بعمليات تفتيش للمعتقلين وكذا اثناء الزيارة العائلية، كما قد يقوم المسؤولون بتفتيش اماكن إقامة المعتقلين أو أماكن القيام بمختلف أنشطتهم المهنية أو الدراسية … ولا داعي للتفصيل في أهداف عمليات التفتيش التي تدعو بالدرجة الأولى إلى منع دخول أو تسريب المواد أو الأشياء المحظورة أو الخطيرة كالأسلحة أو المخدرات أو الهواتف المحمولة …

وتبعا للظروف الداعية إلى هذه العملية قد تكون طريقة التفتيش بالجس، حيث يبقى الشخص المعني بالتفتيش مرتدياً ملابسه. وعندما يكون التفتيش ذا طابع أمني، يفرض على المعني خلع ملابسه وإخضاعه للتفتيش البصري، دون أي اتصال جسدي. كما قد يكون التفتيش حميميا، بحيث يخضع المعني لفحص جسدي للفتحات الطبيعية (وهذا النوع من التفتيش لا يخضع له إلا الأشخاص في وضعية اعتقال). واعتبارا لما يمكن أن يشكله هذا النوع الأخير من التفتيش من إهانة وحط من الكرامة، توصي بعض جمعيات المجتمع المدني الدولية بحظرها بموجب القانون. وعندما لا تكون عمليات التفتيش هذه محظورة رسميًا، فيجب إجراؤها فقط من قبل أعضاء من الطاقم الطبي.

وعموما لا يجوز القيام بعمليات التفتيش إلا عند الضرورة القصوى للحفاظ على النظام أو أمن السجن أو السجناء والموظفين الآخرين أو الشخص المحتجز نفسه، وبطريقة تحترم كرامة الشخص.

وهذا ما أكدت عليه القاعدة 50 من قواعد مانديلا: ” يجـب أن تكـون القـوانين واللـوائح التنظيميـة الـتي تحكـم إجـراءات تفتـيش الـسجناء والزنـازين متوافقةً مع الالتزامـات الـتي يفرضـها القـانون الـدولي وأن تأخـذ في الحـسبان المعـايير والقواعـد الدولية، مع مراعاة ضرورة ضمان الأمـن في الـسجن. ويجـرى التفتـيش بطريقـة تحتـرم الكرامـة الإنــسانية المتأصِّــلة للــشخص الخاضــع للتفتــيش وخــصوصيته، فــضلاً عــن مبــادئ التناســب والمشروعية والضرورة.”

وعند قراءتنا للمادة 173 نلاحظ أنها أكدت على مجموعة من المقتضيات التي ستساهم في الحفاظ على الكرامة الإنسانية وتجنب كل ممارسة مهينة أثناء القيام بعملية التفتيش، من حيث:
 أن الأصل في التفتيش أن يكون بواسطة الجس؛
 أنه يمكن استعمال أجهزة الكشف عن الأشياء والمواد الممنوعة؛
 أن التفتيش مع نزع الثياب لا يكون إلا عند الضرورة؛
 أنه لا يمكن تفتيش تجاويف الجسم إلا من قبل أحد مهنيي الصحة العاملين بالمؤسسة السجنية أو موظفين مكونين لهذا الغرض.

ورغم تثميننا لما جاء في هذه المادة من تأصيل لمبدأ احترام الكرام الإنسانية، فإننا نسجل تحفظنا فيما يتعلق بقيام موظفين بتفتيش التجاويف. إلا انه، ووعيا منا ببعض الاكراهات التي قد تعرقل السير الطبيعي لبعض المؤسسات السجنية ، فإننا نرى أن تكليف موظفين في التفتيش المتعلق بالتجاويف يجب ان يخضع لشروط أساسية، منها:
• ان يتم تعيين على مستوى كل مؤسسة سجنية ما قد يُقدر كافيا للقيام بهذه المهمة عند الضرورة؛
• لا يجب أن يكون التكوين عن طريق التلقي الميداني أو عبر تراكم التجارب، بل يجب ان يكون التكوين في معاهد متخصصة في المجال الطبي، أو من طرف متخصصين وتسلم لهم شواهد تفيد الحصول على الكفاءة التي تتيح القيام بهذه المهمة. ربما قد يكون هذا الأمر مكلفا، إلا أننا نعتبر أن لا شيء يغلو عن الحفاظ عن كرامة الانسان؛
• ان لا تخضع الفئات التي توجد في وضعية هشاشة كالنساء والأحداث والمسنون لتفتيش التجاويف إلا من طرف الأطقم الطبية؛
• أن يتم التأكيد على أن الأصل في هذا النوع من التفتيش يبقى من مهام الأطقم الطبية، وألا يُسند بشكل بديهي الى الموظفين الذين حصلوا على تكوين في الموضوع إلا عند غياب هذه الأطقم؛

ومن باب التأكيد على الحفاظ على كرامة الانسان عند ضرورة التفتيش:

نضيف الاقتراحات التالية:

 إضافة مادة في مشروع قانون 23-10 تحتوي على ما أشارت إليه القاعدة 51 من قواعد مانديلا التي ذكرت أنه: ” لا يُستخدَم التفتيش للتحرُّش بسجين أو تخويفـه أو التطفُّـل دون داع علـى خـصوصيته. وتحـتفظ إدارة الـسجن، لأغـراض المـساءلة، بـسجلات مناسـبة تقيَّـد فيهـا إجـراءات التفتـيش، وخـصوصاً إجـراءات تفتـيش الجـسد العـاري وتفتـيش تجـاويف الجـسم وتفتـيش الزنـازين، وكـذلك أسـباب هذه الإجراءات، وهويات القائمين عليها، وأيُّ نتائج يُسفِر عنها التفتيش.”

 الأخذ بعين الاعتبار ما جاء في المادة 173 التي أشارت أن يمكن إجراء التفتيش ” باستعمال أجهزة الكشف عن الأشياء والمواد الممنوعة”، والحث على استعمال هذه الوسائل البديلة، كما أكدت عليه الفقرة الأولى من القاعدة 52 من قواعد مانديلا: ” 1- لا يُلجأ إلى إجراءات التفتيش الاقتحامي، بما في ذلك تفتـيش الجـسد العـاري وتفتـيش تجـاويف الجـسم، إلاَّ في حـالات الـضرورة القـصوى. وتُـشجَّع إدارات الـسجون علـى وضـع بـدائل مناسـبة للتفتـيش الاقتحـامي وعلـى اسـتخدام تلـك البـدائل. ويجـب أن تنفَّـذ إجـراءات التفتيش الاقتحامي في مكان تتوفر فيه الخصوصية، وأن يتولى القيام بهـا موظفـون مـدرَّبون مـن نفس جنس السجين.”

 إضافة مادة أو فقرة في مادة من هذا المشروع تؤكد على ضرورة تنظيم تكوين لكل الموظفين يتعلق بحقوق الانسان كما أكدت عليه القاعدة 76: ” 1- يتـضمَّن التـدريب المـشار إليـه في الفقـرة 2 مـن القاعـدة 75 كحـدٍّ أدنى، التـدريب على ما يلي:
(ب) حقـوق مـوظفي الـسجون وواجبـاهتم أثنـاء ممارسـتهم وظـائفهم، بمـا في ذلـك احترام الكرامة الإنسانية لجميع السجناء وحظـر تـصرفات معيَّنـة، خاصَّـةً التعـذيب وغـيره مـن ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛”
ونقترح أن تضاف الفقرة في آخر المادة 167 من هذا المشروع، والتي جاء فيها: “يتولى موظفو الإدارة المكلفة بالسجون حفظ الأمن والنظام داخل المؤﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺠﻨﻴﺔ في احترام تام لحقوق المعتقلين وقواعد الانضباط، ويجب عليهم الالتزام بمدونة السلوك والواجبات المهنية المحددة بنص تنظيمي. وفي حالة تعرض المؤسسة السجنية لهجوم أو تهديد من الخارج أو وقوع حادث خطير داخلها يتعذر التحكم فيه، يجب على مدير المؤسسة أن يطلب الدعم أو التدخل من القوة العمومية عن طريق والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم المختص ترابيا مع الإشعار الفوري للإدارة المكلفة بالسجون والنيابة العامة وللسلطات المحلية.”

* خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية.
رئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock