قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (10)
عبدالحق الدوق*
7.2. مبدأ الحفاظ على سِرِّية المعلومات:
من المستجدات التي جاء بها مشروع قانون 23-10 نجد الجوانب المتعلقة بسرية المعلومات التي تخص المعتقل، سواء فيما يخص معلوماته الشخصية التي توثقها المؤسسة السجنية في سجلاتها الورقية والالكترونية، أو محتوى الشكايات والتظلمات التي يوجهها الى السلطات القضائية او المؤسسات أو الهيئات المؤهلة قانونا، أو معلوماته حول وضعيته الصحية. وهي مستجدات ولو أنها تعتبر بديهية، إلا أننا عندما نقارن ما هو عليه الحال في قانون 98-23 المعمول به حاليا، نُقَدّْر أن تسطيرها في هذا المشروع يعتبر تحولا ملموسا وجب الاهتمام به.
سوف نحاول ذكر المواد المعنية بهذا الموضوع مع تقديم تحليل موضوعي، مع وعينا بأنه يحتاج إلى تعميق النقاش فيه من طرف بعض أهل الاختصاص.
1.7.2. سرية البيانات والمعلومات والشكايات:
لا ينبغي أن تكون ملفات السجناء الفردية متاحة للجميع، ويجب أن تحدد المساطير، بوضوح، الموظفين الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمعتقلين.
وعندما تكون المعطيات مسجلة الكترونيا، يجب إيلاء رعاية خاصة للجانب الأمني. وينبغي أن يتمكن السجناء أيضاً من الوصول إلى بعض المعلومات المتعلقة بهم، وأن يكون بمقدورهم طلب تصحيح البيانات الخاطئة أو المتقادمة، وذلك لتجنب اتخاذ قرارات ضدهم على أساس معلومات مغلوطة تكون واردة في سجلاتهم. لذلك فمن الضروري أن تكون هناك رقابة صارمة على السجلات، مع توضيح سلسلة المسؤوليات المنصوص عليها.
لقد تطرق مشروع القانون 23-10 الى بعض هذه المواضيع في المادة 18 (سرية البيانات والمعلومات) والمادة 21 (ضمان سرية المعلومات) والمادة 132 (سرية الشكايات).
جاء في المادة 18 من جهة أنه تجب ” المحافظة علـى سـرية البيانات الواردة في السجلات المشـار إليهـا أعلاه ولا يجوز الاطلاع عليها إلا من قبل الأشخاص المخول لهم ذلك بحكم القانون.” وصرحت من جهة أخرى على انه “يتعرض كل موظف أفشى سرية البيانات المشار إليها أعلاه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل .”
فالمادة 18 أكدت إذن على 3 أمور ذات أهمية:
الأصل هو سرية البيانات الواردة في السجلات؛
هناك استثناء لهذا الأصل، يخص من خوَّل له القانون الاطلاع عليها؛
ان هناك عقوبات تنتظر موظف خالف مبدأ السرية؛
إذا كان الحفاظ على السرية ومعاقبة من أفشى المعلومات مقتضيان محمودان وواضحان، إلا أن أمر الاستثناء يحتاج إلى شيء من التوضيح. فإذا كان من المؤكد أن السلطات القضائية والجهات المؤهلة قانونا، كما سماها هذا المشروع، قد تكون مقصودة بهذه المادة، إلا أننا نتساءل لماذا لم تذكر بكل وضوح كما هو عليه الأمر في كثير من المواد التي أشرنا إليها، في الحلقة 7 أثناء حديثنا عن ضرورة ذكر المجلس الوطني لحقوق الانسان فيها ؟
ثم هناك سؤال آخر يقرض نفسه: هل الأشخاص المعتقلين بالمؤسسات السجنية يمكن اعتبارهم من الذين يخول لهم القانون الاطلاع على ملفاتهم؟
هذا السؤال الأخير يأخذ مشروعيته من القاعدة 9: ” يُحافَظ على سرِّية جميع السجلات المشار إليهـا في القاعـدتين 7 و8 ولا يُتـاح الاطِّـلاع عليهـا إلاَّ لمـن تـستدعي مسؤولياتهم المهنيـة ذلـك. ويـسمح لكـلِّ سـجين بـالاطِّلاع علـى الـسجلات المتعلقة به، رهناً بأيِّ تعديلات تحريرية مصرَّح بها بمقتـضى التـشريعات الداخليـة، ويكـون مـن حقِّه الحصول على نسخة رسمية من هذه السجلات عند إطلاق سراحه.”
إن هذا المشروع لم يشر إلا إلى إمكانية تسليم المعتقل موجز من سجل الاعتقال بعد طلب هذا الأخير، أثناء اعتقاله أو بعد الإفراج عنه، وذلك في المادة 36 . فهل يمكن اعتبار هذه الإمكانية اجتهاد محدود للمشروع للقاعدة 9 من قواعد مانديلا أم أن هناك ما يعيق، من الناحية القانونية أو العملية، كفتح باب الاطلاع امام اعداد المعتقلين على سجلاتهم؟
نفضل الاعتراف أنه ليس لدينا ما يفيد للإجابة على هذا السؤال، ونتمنى أن يجد أجوبة من أهل الاختصاص. إلا أنه كان من الواجب علينا إثارة ما جاء في القاعدة 9 المذكورة أعلاه.
أما المادة الثانية المتعلقة بمقالنا هذا فهي المادة 21: ” … تطبـق الإجراءات اللازمة لضـمان حماية سرية وسلامة البيانـات والمعطيات الإلكترونية وفقا للتشريع المتعلق بالأمن السيبراني. ” كما هو في الظهير الشريف 69.1.20 الصادر في 4 ذي الحجة 1441 (25 يوليو 2020) بتنفيذ القانون 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني.
وإشارة مشروع القانون 23-10 على هذه الضمانة يؤكد مسايرته وملائمته مع التطورات التشريعية ذات الصلة ، خصوصا والكل يعلم ما للمعلومات المُوَثَّقة الكترونيا لدى المؤسسات السجنية من حساسية. فإذا لم يتم ضمان حمايتها قد تحصل عدة مشاكل ومآسي قد تعاني منها للساكنة السجنية إذا تم تسريبها.
أما المادة 132 فقد جاء فيها: ” يجوز للمعتقل، أن يقوم عن طريق مدير المؤسسة السجنية، بتوجيه طلبات أو شكايات أو تظلمات إلى الإدارة المكلفة بالسجون أو السلطات الحكومية أو القضائية أو المؤسسات أو الهيئات المؤهلة قانونا لتلقي الطلبات والشكايات والتظلمات.
تدون هذه الطلبات والشكايات والتظلمات في سجل معد لهذه الغاية.
تضمن المؤسسة السجنية سرية الشكايات والتظلمات إذا طلب المعتقل ذلك.”
إن التدبير الجيد للسجون هو الذي يجنب، قدر الإمكان، كثرة الشكايات من طرف المعتقلين. وإحدى الطرق لتحقيق ذلك، هي وضع واحترام مجموعة من الإجراءات الواضحة التي تغطي جميع جوانب الحياة اليومية في السجن. كما يجب أن تكون هذه الإجراءات مكتوبة بلغة واضحة يمكن للجميع فهمها؛ ويجب أن تكون متاحة لجميع السجناء والموظفين. وأن تكون جزءاً من ملف المعلومات الذي يعطى للسجين عند وصوله إلى كل سجن أو تعليقها على الحائط في مكان ظاهر، كما ينبغي قراءة القواعد وشرحها للسجناء الأميين.
يحق للسجناء تقديم شكايات بشأن أي جانب من جوانب معاملتهم أو ظروف اعتقالهم إلى مسؤولي المؤسسة السجنية أو الهيئات المستقلة. فالتحريات المتعلقة بهذه الشكايات والإجراءات المتخذة بناء على نتائجها تساعد على ضمان احترام حقوق السجينات والسجناء، وتشكل ضمانة أساسية ضد سوء المعاملة في السجون. ويمكن أن تتخذ هذه آليات المراقبة والتحريات أشكالاً مختلفة، لكن يجب في جميع الحالات أن تكون متاحة وسرية ومحايدة وشاملة.
و يجدر بتا ان نشير إلى ما جاء في القاعدة 57 وخصوصا في فقرتها الثانية: ” 2- تُوضَع ضمانات تكفل للسجناء تقـديم الطلبـات أو الـشكاوى بأمـان، وبطريقـة سـرِّية إذا طلب الشاكي ذلـك. ولا يجـوز أن يتعـرَّض أيُّ سـجين أو أيُّ شـخص آخـر مـشار إليـه في الفقـرة 4 مـن القاعـدة 56 لأيٍّ مـن مخـاطر الانتقـام أو التخويـف أو غـير ذلـك مـن العواقـب السلبية نتيجة لتقديمه لطلب أو شكوى.”
نلاحظ أن المادة 132 تتلائم مع ما جاء في القاعدة 57 من قواعد مانديلا، من حيث ضمان سرية الشكاية، إلا أن القاعدة 57 أضافت حماية المشتكي من تعرضه للانتقام أو التخويف، وهو أمر لا يخلو من أهمية، باعتباره يتعلق بتقديم شكاية في أماكن الاحتجاز.
لهذا نقترح إضافة ما جاء في الفقرة 2 من القاعدة 57، من أجل تقوية الضمانات من أحل حماية المشتكي. وهكذا يمكن صياغة المادة 132 كالتالي:
” يجوز للمعتقل، أن يقوم عن طريق مدير المؤسسة السجنية، بتوجيه طلبات أو شكايات أو تظلمات إلى الإدارة المكلفة بالسجون أو السلطات الحكومية أو القضائية أو المؤسسات أو الهيئات المؤهلة قانونا لتلقي الطلبات والشكايات والتظلمات.
تدون هذه الطلبات والشكايات والتظلمات في سجل معد لهذه الغاية.
تضمن المؤسسة السجنية سرية الشكايات والتظلمات إذا طلب المعتقل ذلك.
ولا يجـوز أن يتعـرَّض أيُّ سـجين لأيٍّ مـن مخـاطر الانتقـام أو التخويـف أو غـير ذلـك مـن العواقـب السلبية نتيجة لتقديمه لطلب أو شكوى.”
فالأصل هو أن يكون النزلاء قادرين على إيصال أي شكايات أو مطالب إلى الموظفين الذين يشرفون عليهم. وإذا لم يكن من الممكن حل المشكلة على هذا المستوى، يجب أن يكون السجناء قادرين على تقديم طلبهم أو شكواهم إلى السلطات المسؤولة عن السجن. فإذا ظلت المسألة غير قابلة للحل، فيجب أن يكون للسجين الحق في الوصول إلى سلطة أعلى خارج السجن، حيث توفر العديد من إدارات السجون نظامًا خارجيًا موازيًا لضمان معالجة الطلبات والشكاوى. وتشمل هذه الأنظمة هيئات الرقابة الداخلية. أو إلى مؤسسات وطنية لحقوق الانسان أو إلى هيئات المجتمع المدني.
ويجب دائمًا التوضيح أن المشتكي لن يُعاقب عندما يقدم شكوى؛ كما يجب أن تكون هناك إجراءات لمنع الأعمال الانتقامية المحتملة.
أما سرية المعلومات الطبية فنظرا لخصوصيتها ولارتباطها بالفضاء السجني فسوف نخصص لها الحلقة المقبلة.
* خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية.
رئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان