نفحات رمضانية – الحلقة 20 – الاستعداد للعشر الأواخر من رمضان: اجتهاد في الطاعة وتوجه إلى الله

تُقبل العشر الأواخر من رمضان حاملة معها نفحات الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهي الأيام التي اختصها الله بليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. لذا، فإن الاستعداد لها يجب أن يكون على قدر عظمتها، فهي فرصة لمن قصّر في بداية رمضان، وميدان سباق لمن أراد أن ينال رضا الله.
أولًا: تجديد النية والإخلاص
لا بد أن يكون أول الاستعدادات تصفية القلب وتجديد النية لله تعالى، فكلما كان القلب صادقًا في طلب المغفرة والرحمة، كلما فتح الله له أبواب الطاعة. قال رسول الله ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (متفق عليه). لذلك، اجعل نيتك أن تغتنم هذه الأيام بقلبٍ خاشع وعقلٍ واعٍ، فلا تعلم إن كنت ستدرك رمضان القادم أم لا.
ثانيًا: التفرغ للطاعة وتخفيف المشاغل
حاول أن تخفف من انشغالاتك الدنيوية قدر المستطاع، فإن لم تستطع الاعتكاف في المسجد، فاعتكف روحك وقلبك في الطاعات. كن حريصًا على استثمار كل لحظة في العبادة، وتجنب الانشغال بما لا ينفع، سواء كان ذلك في العمل أو وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من الملهيات.
ثالثًا: الإكثار من تلاوة القرآن وتدبره
القرآن هو النور الذي يضيء القلوب، وهو كلام الله الذي يُلهم الطمأنينة، لذا اجعل له نصيبًا وافرًا من وقتك. اقرأه بتدبر، وحاول أن تزيد من وردك اليومي، فإن كنت تقرأ جزءًا فاجعلها جزأين، وإن كنت تقرأ بغير تدبر، فاجعل قراءتك خشوعًا وتأملًا في المعاني.
رابعًا: الاجتهاد في الصلاة والقيام
العشر الأواخر هي فرصة للإكثار من الصلاة والقيام، حيث كان النبي ﷺ إذا دخلت العشر، شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. فلا تكتفِ بصلاة التراويح، بل اجتهد في قيام الليل، وخاصة في السحر، حيث يتجلى الله لعباده فينادي: “هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟” (رواه مسلم).
خامسًا: الاعتكاف والتفرغ للعبادة
الاعتكاف من أعظم السنن التي كان النبي ﷺ يحافظ عليها في العشر الأواخر، وهو انقطاع عن الدنيا والتفرغ للعبادة، سواء في المسجد أو في البيت. وإن لم تستطع الاعتكاف الكامل، فخصص ساعات من يومك لتكون فيها في عزلة عن الدنيا، منشغلًا بذكر الله.
سادسًا: الإكثار من الدعاء وخاصة في العشر الأواخر
الدعاء في هذه الليالي من أهم أسباب المغفرة والرحمة، وقد أرشدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ فقالت: “يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر، فماذا أقول؟” فقال لها: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني” (رواه الترمذي). فاجعل لسانك رطبًا بهذا الدعاء، وأضف إليه دعواتك الخاصة التي ترجو قبولها.
سابعًا: الصدقة والإحسان إلى الناس
من الأعمال العظيمة التي يحبها الله في هذه الأيام المباركة الصدقة، فإنها تطفئ غضب الله، وتجلب البركة في المال، وقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة. فاحرص على إخراج الصدقات للفقراء والمحتاجين، ولو بالقليل، فرب درهم سبق ألف درهم عند الله.
ثامنًا: اغتنام ليلة القدر
ليلة القدر هي أعظم ليالي السنة، وهي ليلة العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر. ولأنها مخفية بين الليالي الوترية، فمن الأحرى أن نجتهد في كل ليالي العشر الأخيرة، دون انتظار تحديد يوم بعينه. ومن علامات ليلة القدر، أنها ليلة معتدلة، لا حارة ولا باردة، ويكون الصباح بعدها مشرقًا بلا أشعة قوية.
تاسعًا: التوبة والاستغفار
مهما كان ما مضى من العمر، فباب التوبة مفتوح، والله يحب التوابين. لذلك، اجعل العشر الأواخر محطة للغفران، واستغفر الله من كل ذنب، صغيرًا كان أو كبيرًا، بقلب صادق، وكن واثقًا أن الله سيغفر لك إن كنت صادقًا في توبتك.
خاتمة
العشر الأواخر من رمضان فرصة لا تعوض، وهي أيام قليلة، لكنها عظيمة في الأجر، فمن أدركها فقد أدرك خيرًا عظيمًا، ومن ضيعها فقد خسر فرصة قد لا تتكرر. فاحرص على أن تخرج منها وقد غفر الله لك، وأعتق رقبتك من النار، وأثقل ميزان حسناتك، وتذكر أن الله لا ينظر إلى كثرة الأعمال، بل إلى إخلاص القلوب.
للاإيمان الشباني