مقالات واراء

الصحافة وامتدادات ادريس البصري

محمد الطالبي

منذ إقرار الدستور المغربي لعام 2011، الذي حمل في طياته مبادئ كبيرة تهدف إلى تعزيز الحريات العامة واستقلالية المؤسسات، تم التأكيد على ضرورة التدبير الذاتي للإعلام، وهي خطوة تعد من ضمن أبرز التوجهات الإصلاحية التي دعا إليها جلالة الملك والتي أيدها الشعب المغربي في الاستفتاء. ولكن، مع مرور الوقت، بدأت تظهر تساؤلات حول محاولات التراجع عن هذه المبادئ، والأجندات التي يقودها البعض للحد من هذا التوجه، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول حقيقة الإصلاح الإعلامي في المغرب ومستقبل الحريات الإعلامية في ظل الواقع الحالي.
إذا كانت الإرادة الرسمية قد سارت في اتجاه تعزيز حرية الإعلام واستقلاليته، فمن هي الجهات التي تعمل اليوم على عكس هذا التوجه؟ من المستفيدون الكبار من ضرب الإعلام كآلية أساسية في الديمقراطية؟ ومن يحاولون استغلال وسائل الإعلام لتكريس السلطة لصالحهم على حساب المصلحة العامة؟ هذه الأسئلة تتطلب وقفة جادة لفهم القوى التي تقف وراء التراجع عن حقوق الإعلاميين وتكريس الممارسات التي تضر بالقطاع الإعلامي ككل، في وقت كان من المفترض أن يكون الإعلام أداة لتحقيق الديمقراطية والشفافية.
يحتاج المشهد الإعلامي المغربي اليوم إلى جرأة وتحليل دقيق لواقع الإعلام في المغرب، خاصة في ظل التحولات الدولية التي نشهدها، ومن أبرزها دخول الذكاء الاصطناعي في مجالات الإعلام. أعتقد أن المتحكمين في هذا المجال يتبعون سياسة تدرج الجرعات، بحيث يتأقلم العالم تدريجيًا مع هذا التحول التكنولوجي. الواقع اليوم يشير إلى أن تداول المعلومات أصبح أسرع من أي وقت مضى، حيث يتم تداول الأخبار في الثانية عبر جميع وسائل الاتصال المتاحة من مقروء ومسموع ومرئي، بينما لا يزال الابتكار في الإعلام الرقمي يكشف كل يوم عن المزيد من القدرات الجذابة.
الإعلام الورقي، رغم تراجعه، ما زال يحتفظ بمكانته كأداة إعلامية تقليدية، رغم كلفته العالية في الإنتاج والتوزيع. ما يجري في المغرب اليوم من محاولات لتقييد الإعلام والمعلومة، سواء كانت صحيحة أو مغلوطة، يمثل عملية تلاعب بين طرف يحاول أن يوهم الناس بشيء لا يملكه. هذه الظاهرة تذكرنا بمحاولات السيطرة على الإعلام وتوجيهه وفق مصالح معينة، وهو ما كان يحدث في فترات معينة من تاريخ الإعلام المغربي.
إنه من المؤسف أن نرى بعض الأفراد يتخذون من الإعلام أداة لشراء الذمم وتبرير الريع، وهو ما يعيدنا إلى زمن إدريس البصري، حيث كان الإعلام تحت إشراف مباشر من السلطة. ورغم أن هناك تغيرات كبيرة في المشهد الإعلامي اليوم، فإن بعض آثار تلك الحقبة لا تزال تؤثر على النظام الإعلامي في المغرب. التسميات التي يحاول البعض فرضها اليوم على الإعلام، مثل تسميات بلامضمون فقط ريع مقنع من اجل حروب بلا اخلاق وبلا شرف . و تسميات كانت قد فشلت في الماضي، تساهم في تقييد حرية الصحافة والإعلام، وهذا يهدد بتراجع دور الإعلام في تقديم الحقائق والمصداقية.
إذا كان شراء الذمم ممكناً، فإن المسألة تتعلق بالحرية التي يجب أن يتمتع بها الإعلام، وأن الاستقلالية والتقارير الحرّة هي التي تخدم المجتمع والدولة. فالدولة المغربية بحاجة إلى يقظة إعلامية حقيقية تواجه بها الأزمات المحلية والدولية من خلال الإعلام المستقل والموثوق. وعليه، فإن المعركة ليست فقط ضد الأخبار المزيفة أو الكاذبة، بل ضد محاولات تقييد الحريات الإعلامية التي من شأنها أن تضعف قدرتنا على مواجهة التحديات الحالية.
إذا استمررنا في الانزلاق نحو تحجيم الإعلام وتوجيهه وفق مصالح معينة، سنظل في حلقة مفرغة من الأزمات الإعلامية والسياسية. والجواب على هذه الأزمة هو العودة إلى الأسس التي يقوم عليها الإعلام الحر: الاستقلالية والمصداقية، حيث لا بد أن يكون الإعلام الأداة التي تتيح للمجتمع التعاطي مع كل التحولات الدولية والمحلية بوعي وفهم صحيح.
والإعلام يشبه في دوره قطاع الصحة أو من يسمون “دوي الياقات البيضاء”، حيث يُؤدى قسم أبوقراط الإنساني النبيل، ويمثل عصبًا حيويًا للمجتمع. وفي هذا السياق، لا بد أن يكون الإعلام تحت إشراف إعلاميين حقيقيين، لا مجرد “حراس” او كومبارس في،شكل عسس على الواجهات. الإعلام لا يحتاج إلى شركات حراسة على الأبواب، بل إلى ممارسين حقيقيين ومؤهلين. وفي هذا المجال، كما في الصحة، يجب أن يكون لكل مهنة أصحابها الذين يتحملون مسؤولية أدائها، فلا مجال للتعويم أو التشويه. الإعلام مسؤولية كبيرة، ولا يمكن تركه ليصبح مجرد أداة لخدمة المصالح الشخصية، بل هو في الأساس أداة لخدمة الحقيقة والمجتمع.
واخير كل مواجهة بين صحفي وصحفي اخر او على الاقل بين صحفي و مدع تبقى غير مشروعة لان احسن وسيلة للدفاع عن المهنة هو الانتصار لقواعدها واخلاقها واختلاق صراعات يطيل امد العياشة والفراقشية الذين يتغدون على جثة فاحت منها راءحة الموت
ويبق الحارس الامين للمهنة هي الاخلاق و هو القانون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock