مقالات واراء

قلعة السراغنة… صرخة الهامش في وجه النسيان

بقلم الصحافي: محمد الطالبي

يعاني إقليم قلعة السراغنة، منذ مطلع الثمانينات من الجفاف و العزلة و التهميش التنموي المعتمد، وقد ساهم ابناؤه بشجاعتهم و دمائهم في الدفاع عن ثغور الوطن، وقدموا ارواحهم في معارك التحرير و الحفاظ على استقرار البلاد، في المقابل، لم يجد من الحكومات المتعاقبة سوى التنكر والتجاهل…

قلعة السراغنة بعد الفقر و الهشاشة و العطش، اصبحت عنوانا لفضيحة سياسية تنموية بسبب الإقصاء الممنهج،حيث لم يحظَ بمشاريع تنموية كبرى مثل باقي المدن المغربية.

إقليم قلعة السراغنة يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، حيث يعاني من التهميش التنموي وتأخر تنفيذ المشاريع الحيوية. وفقًا لتقارير حديثة، فإن الإقليم تحول إلى ما يشبه “مقبرة للمشاريع التنموية” بسبب تعثر عدد من المشاريع المهمة، مثل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، والمركب الثقافي، وسوق الجملة للخضر والفواكه، والمنطقة الصناعية الجديدة، مما يؤثر على فرص الإستثمار وخلق الوظائف.

من الناحية الإجتماعية، يواجه السكان نقصًا في الخدمات الصحية والتعليمية ، حيث يعاني مستشفى السلامة من وضعية صعبة، كما أن غياب جامعة حقيقية يحرم الشباب من فرص التعليم العالي داخل الإقليم. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاكل بيئية مثل تأخر إنشاء المطرح الإقليمي للنفايات، مما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة.

على المستوى الفلاحي، يعاني الإقليم من أزمة مياه تؤثر على الفلاحين، حيث يتم توزيع مياه السدود بشكل غير عادل، مما يضر بالمدارات السقوية. كما أن تدهور القطيع الحيواني وموت أشجار الزيتون ، التي تُعد رمزًا للإقليم، يزيد من معاناة الفلاحين.

ومع كل هذا، لا وجود لأي برنامج إنقاذ حقيقي، لا دعم لحفر الآبار، لا مساطر مُيسّرة، لا التفاتة رسمية. فقط وعود تتبخر، وسياسات تتعاقب دون أثر ملموس.

الشباب بدورهم، تُركوا للمجهول لا مناصب شغل، لا مشاريع مدرة للدخل، لا مواكبة للمبادرات الذاتية، والنتيجة؟ هجرة جماعية نحو المجهول، أو ركوب قوارب الموت، شباب فقد الأمل في وطن لم يعد لهم فيه مكان، لأن المركز والحكومة تخلّوا عنهم.

وحتى المشاريع التي بُرمجت قبل سنوات طويلة، مثل السوق الأسبوعي الجديد، المجزرة، سوق الجملة، المطرح الإقليمي، المكتبة الوسائطية، المسبح شبه الأولمبي، ملاعب القرب، الأسواق النموذجية…ما زالت معلقة إلى وقت غير معلوم.

كلها مشاريع كان من المفروض أن ترى النور منذ زمن بعيد، لكنها تحوّلت إلى أوراق انتخابية، وسراب يلوّح في الأفق مع كل حملة سياسية.

ولأن الجهة باتت تدير ظهرها للإقليم، فالإقصاء ازداد حدة. مشاريع تنموية تُوزع بميزان الكيل بمكيالين، والنتيجة: استمرار الحيف، والتهميش، و”الحكرة” الممنهجة، وكأن قلعة السراغنة ليست جزءًا من هذه الجهة، ولا من هذا الوطن.

و في نفس السياق، لا يمكننا أن نتجاهل الكارثة الإنسانية التي شهدها الإقليم خلال ثاني أيام عيد الأضحى، حين انزلقت دراجة ثلاثية العجلات في أحد المنحدرات، فتسببت في وفاة ثمانية أشخاص دفعة واحدة، من بينهم نساء وأطفال والحصيلة مرجحة للارتفاع.

كانوا يبحثون في ايام العيد عن فسحة صغيرة من الفرح في قلب المعاناة اليومية، لكن الحلم انتهى في قاع المنحدر، وتحول العيد إلى مأتم عمّ أرجاء المنطقة.

الواقعة المؤلمة ليست قضاءً وقدرًا فقط، بل نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال، لغياب البنية التحتية، ولانعدام النقل الآمن، وللاستخفاف بأرواح الناس الذين لم يجدوا غير تلك الدراجات المتواضعة للهروب من العزلة والعطش والحرارة.

ما وقع لم يكن حادثًا عرضيًا، بل صرخة دموية في وجه مركز يتجاهل الهامش، وحكومة تُمعن في توزيع الموت بالصمت.

صرخة أبناء إقليم قلعة السراغنة تعكس عمق الأزمة التي يعاني منها السكان منذ سنوات، حيث يطالبون بأبسط حقوقهم: الماء، الصحة، التعليم، والعيش الكريم. هذا ليس طلب امتيازات، بل مطالبة بما هو أساسي لضمان حياة كريمة، وهو ما يُفترض أن يكون من أولويات السياسات التنموية.

غياب التنمية العادلة، وانتشار الاحتكار والفساد، يجعل صوت المطالبة بالحقوق أعلى، حتى وإن حاول البعض تجاهله أو إسكات المطالب المشروعة. التاريخ يُثبت أن الصمت لا يدوم ، وأن الإهمال يُنتج الغضب ، فلا يمكن أن يستمر التهميش إلى الأبد دون أن يترتب عليه تحركات شعبية أو اجتماعية من أجل التغيير.

السؤال الآن: هل هناك فرصة لإحداث تغيير حقيقي؟ وهل يمكن أن تتحرك الجهات المسؤولة قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة؟

*محمد الطالبي نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock