حيثيات تخلف العرب عن ركب الأمم المتقدمة وسبل الخروج من التخلف الحضاري..
ذ عبد اللطيف شعباني
سعت الدعوات والحركات الاصلاحية السلفية إلى الوقوف على مكامن سبب تخلف العرب ،وحددت معالمه في ابتعادهم عن نقاوة دينهم وشيوع البدع والضلالات التي دخلت على معتقداتهم ، ولذلك جعلت هدفها الأول تنقية الدين الإسلامي من هذه الضلالات، والعودة إلى المنابع الأولى للدين بالإعتماد على كتاب الله وسنة رسوله..
أما الإتجاهات الحديثة التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر ، فقد أكدت على أن سر تخلف المسلمين نابع من عزوفهم عن الأخذ بأساليب الحضارة الغربية والجانب المادي منها بشكل خاص ، ولذلك دعتهم الى أن ينهلوا من الحضارة الغربية ما يفيد دنياهم ، على أن لا يتعارض مع معتقداتهم وتقاليدهم الدينية..
منذ فجر النهضة العربية الحديثة إلى اليوم، والسؤال الجوهري الذي يشغل ذهن المصلحين والمفكرين والسياسيين في بلادنا، يدور حول أسباب تخلفنا العرب وتقدم الغرب.
إن حالة العالم العربي في القرن العشرين لا ترضي أشد الناس حبًا له ، ولذلك حاول الباحثون البحث عن أسباب تقدم الغرب الأوربي وتخلف المجتمعات العربية ، وعن مكمن الداء والضعف هنا، ومكمن الصحة والقوة هناك.
والمؤسف إننا لا نزال إلى اليوم وبعد أكثر من قرن ونصف نُعيد طرح السؤال ذاته، ولا نزال لليوم متأخرين عن ركب التطور الحضاري والاجتماعي والسياسي، ونعيش مستهلكين لكل ما يقدمه لنا الغرب من أفكار ومنجزات علميةوتكنولوجية.
فهل تخلفنا الحضاري قدرُ لا خلاص منه، وأننا غير مؤهلين للتطور والحداثة وصنع الحضارة، كما حاول بعضهم في الداخل والخارج أن يوهمنا بذلك، أم يمكن لجيلنا بعد استيعاب دروس الماضي أن يسأل الله قدرا جديدا أكثر إيجابية وفاعلية ونجاحًا وتحققًا إنسانيًا وحضاريًا، طالما كانت الأقدار التي يُمسك بها تعالى في يده، لا متناهية كذاته، كما قال الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال.
في واقع الأمر، إن الحلم بتغيير وإصلاح واقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحضاري، هو حلم راود عدة أجيال من المفكرين والمثقفين العرب منذ مطلع النهضة العربية إلى اليوم،
وقد قدموا في سبيل تحقيق ذلك الحلم عدد من الخطابات الفكرية الإصلاحية، بداية من جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ومرورًا بـ لطفي السيد وطه حسين وزكى نجيب محمود وعلال الفاسي ومالك بن نبي ومحمد عزيز الحبابى، وانتهاء بـ حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون وعبد الوهاب المسيرى، ونصر حامد أبوزيد وأدونيس وغيرهم.
فلماذا لم تؤت هذه الخطابات ثمارها تقدما وازدهارًا في مجتمعنا وبلادنا وموقعنا الحضاري؟ ولماذا لم تتحول هذه الخطابات الإصلاحية النظرية إلى مشاريع للتقدم والنهضة في الواقع، وظلت حبيسة الكتب والسياقات الأكاديمية؟
إن البحث عن إجابات لتلك التساؤلات يحتاج إلى مشروع نقدي متكامل لهذه الخطابات الإصلاحية النظرية لدراستها وإعادة تقييمها، ومعرفة ما يلي:
– هل استطاعت الرؤى والأفكار التي قدمها أصحاب تلك الخطابات الفكرية أن تشتبك مع الواقع بغاية تصحيحه، والانتقال به مما هو كائن إلي ما ينبغي أن يكون أم فشلت في ذلك؟
– هل احتلت هذه الرؤى والأفكار حيزًا من اهتمامات الناس أم لم يلتفت إليها أحد، وأشاح الإنسان العربي وجهه عنها وعن أصحابها؟
– ما هي الجوانب الايجابية غير القابلة للدحض لدى أصحاب هذه الخطابات، التي يُمكن استكمال البناء عليها لصياغة خطاب إصلاحي حضاري جديد، قابل للتطبيق في الواقع؟
وهذا النقد والتقييم الموضوعي إن لم يُجنبنا طرح الأسئلة ذاتها التي طرحها أجدادنا قبل 150 عامًا، فسوف يدفعنا للبحث عن إجابات جديدة لها، ويفتح الباب في حياتنا الثقافية والفكرية لحدوث تراكم معرفي يمنعنا من البدأ من الصفر مجددًا في طرح الأسئلة، وتقديم الإجابات، وكأننا نُعيد اختراع العجلة من جديد.
لقد حان الوقت إذن في لحظتنا القلقة التي نعيشها اليوم في العالم كله، أن نستخدم عقولنا لنعرف نحن العرب إلى أين ذاهبون؟ ولماذا تقدموا وتخلفنا؟.
ولكي نُدرك عمق أزمتنا الحضارية، لا بد أن نعرف ألا مخرج لنا منها إلا بـ ثورة على مستوى الفكر والوعي، وفهم ونقد الذات والتجربة، ثورة تُساعدنا على فهم أنفسنا وماضينا وحاضرنا واستشراف ملامح مستقبلنا، وتُعرفنا داءنا ودواءنا، وتُمكننا من إصلاح مجتمعنا وواقعنا، وتجعلنا قادرين على اللحاق بركب التقدم والحضارة، حتى لا نظل للأبد متخلفين حضاريًا، وعالة على الغرب.
فلابد أذن من ضرورة تحفيز العلماء والكفاءات العربية ومعالجة أسباب هجرتها.
– بناء مجتمع مستقر أمنياً وسياسياً وإقتصادياً، يحب العلم وأهله، ولا يقوم بقمع الحريات الأفكار والقدرات، بالإضافة إلى سن قوانين تحمي الحقوق الفكرية وتحافظ على الملكية الإبداعية.
– التركيز على العلوم التطبيقية والصناعية، ومحاولة تكوين جيل واعي للمشاكل التي يعاني منها عالمنا العربي ، ليجدوا حلولا له.
– تحفيز القطاع الخاص على الإستثمار في البحث العلمي والإكتفاء بالعلماء العرب بدلاً من الغرب.
– محو الأمية والتشجيع على القراءة وحب العلم، وإعداد مناهج تعليمية ناجحة تعالج المشاكل الحالية لمنطقتنا ، والتركيز على العلوم التطبيقية والمخبرية منها ، بدلاً من الحصص المملة وحفظ المواد بدون فهم لها.
ـ تطوير الجامعات العربية لتنافس العالم علمياً .
– تشجيع الكتابة والتركيز على اللغة العربية والإنجليزية.
فرغم أننا سنحتاج إلى عقود للنهوض بمجالنا العلمي ، إلا أن الأمر مهم للغاية، حيث أن هناك حلولاً علمية لكل مشاكلنا، ولا بد من إيجاد هذه الحلول تطبيقها، وإلا فإن بقاءنا مهدد بالخطر….