قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (13)
عبدالحق الدوق*
9.2. تدبير الاضراب عن الطعام:
من أهم المستجدات التي جاء بها مشروع قانون 23-10 هو التفصيل في تدبير حالات المعتقلين المضربين على الطعام، وذلك من خلال المواد 101، 104 و122.
يمكن تعريف الإضراب عن الطعام على أنه رفض شخص أو مجموعة تناول الطعام بغرض الاحتجاج أو من أجل مطالب، إما على الأوضاع السجنية، أو في أغلب الأحيان ضد السلطة القضائية. وبناء على تجربتنا التي استمرت حوالي عقد من الزمن في متابعة حالات الاضراب عن الطعام بالمؤسسات السجنية، كمسؤول عن حقوق الانسان بأماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، لاحظنا أن الاضراب عن الطعام يأخذ في الغالب شكل رفض بسيط للطعام، مع شرب الماء، أو بعض المشروبات المغذية، ونادرًا ما يكون الرفض التام.
فالمضرب عن الطعام يسعى عموما إلى إثارة شعور قوي ومستمر بالذنب لدى الجهة المعنية، من خلال تحميله المسؤولية عن عواقب ممارسته للامتناع عن الطعام. وهذا ما أكدته الجمعية الطبية العالمية في الفقرة الأولى من إعلان مالطا .
هذا، ويفتح الإضراب عن الطعام في السجن جدلا أخلاقيا أساسيا، لأنه يتناقض مع حق في حرية الفرد، ومسؤولية المؤسسات السجنية، من ناحية، وواجب مسؤولي الرعاية الصحية في إنقاذ الأرواح، من ناحية أخرى. فالقانون يقدم مرجعيات داخلية ودولية، لكن الحلول لا تكون دائما واضحة. عندها تفرض قرارات تخضع إلى الضمير المهني، باعتبار ان القوانين لا تحدد إلا الإطار العام.
يعتبر ما جاء في المادتين 101 و104 خطوة لها أهميتها لأن قانون 98-23 لا توجد فيه مادة تحدد مسؤولية الطاقم الطبي فيما يتعلق بالإضراب عن الطعام. فالأولى تفيد ما يجب على الطبيب القيام به، حيث جاء فيها: “يجب أن يقوم الطبيب بفحص يشمل: ” … المعتقلين المضربين عن الطعام؛”.
والثانية تذكر ما يجب على الموظف المكلف بالدعم النفسي القيام به:
” يتعين على الموظف المكلف بالدعم والمواكبة النفسية للمعتقلين القيام بما يلي:
– ﻤﻘﺎﺒﻠﺔ المعتقلين الجدد ﻓﻲ ﺃﻗـﺭﺏ ﻭﻗـﺕ ﻤﻤﻜﻥ ﺒﻌـﺩ إيداعهم بالمؤسسة السجنية من أجل تشخيص حالتهم النفسية، والإسهام في تصنيفهم وإعداد وتطبيق البرامج الملائمة لهم؛
– تتبع حالة المعتقلين المضربين عن الطعام؛
– تقديم الدعم النفسي للمعتقلين الأحداث والمدمنين وللمعتقلين الذين يحتاجون لذلك؛
– معاينة المعتقلين المعروضين عليه من قبل طبيب المؤسسة السجنية؛
– مسك سجل خاص بالمواكبة النفسية وفتح ملفات فردية للحالات التي عاينها.”
إلا أنه لابد وان نثير ملاحظة حول التسمية التي أعطيت للمكلف بالدعم النفسي. فمصطلح “الموظف” لا يعطي القيمة الحقيقية للدور الذي يقوم به هذا المكلف، كما يمكن ان يخلق لُبْسا فيما يتعلق بالمهمة، وكأن المقصود هو أحد الموظفين، تم تكليفه بمهمة الدعم النفسي، دون أن يكون حاصلا على تكوين في هذا المجال.
لهذا، ورفعا لكل لبس نقترح استعمال عبارة “الاخصائي النفسي” لما يحمله هذا التعبير من معنى. كما نقترح الغاء صيغة “المكلف بالدعم النفسي للمعتقلين” مادام هذا الأمر لا يعتبر إلا جزءا من كفاءات الاخصائي النفسي، وهذا ما أفادت به المادة 104 من خلال المهم المسندة إليه. وبالتالي تصاغ المادة كالتالي: ” يتعين على الاخصائي النفسي القيام بما يلي: … ؛”.
أما المادة 122 فقد جاء فيها: ” يُشعر المعتقل إدارة المؤسسة السجنية بدخوله في إضراب عن الطعام بواسطة تصريح يوقع عليه وﻴﺒﻴﻥ ﻓﻴﻪ دواعي الإضراب.
يعتبر أيضا مضربا عن الطعام المعتقل الذي يمتنع عن تسلم الوجبات الغذائية اليومية لأكثر من 72 ساعة متواصلة.
تقوم إدارة المؤسسة السجنية بالمساعي اللازمة من أجل إقناع المعتقل بالعدول عن الإضراب عن الطعام.
يخبر مدير المؤسسة فورا الإدارة المكلفة بالسجون والسلطة القضائية المختصة وعائلة المعتقل المعني بإضرابه عن الطعام.
يجوز لمدير المؤسسة السجنية فصل المعتقل المضرب عن الطعام عن باقي المعتقلين بغرض المراقبة الطبية لحالته الصحية.
تستمر المؤسسة السجنية في تقديم الوجبات الغذائية اليومية للمعتقل رغم دخوله في الإضراب عن الطعام، ولا يعتبر مضربا في حالة تسلمه الوجبات المذكورة.
يقدم الطاقم الطبي للمؤسسة السجنية أو للمؤسسة الاستشفائية الإﺴﻌﺎفات اللازمة إذا أصبحت حياة المعتقل المضرب عن الطعام ﻤﻌﺭﻀﺔ ﻟﻠﺨﻁﺭ.
تسري الإجراءات المنصوص عليه في الفقرتين الأولى والرابعة أعلاه عند إنهاء المعتقل إضرابه عن الطعام.”
لقد ذكرت هذ المادة عدة مقتضيات أساسية من أجل تدبير حالات الاضراب عن الطعام، نسجل من خلالها التطور الإيجابي والكبير الذي عرفه هذا المشروع، بالمقارنة مع ما يعرفه قانون 98-23 المعمول حاليا في تدبير المؤسسات السجنية، الذي لم ينص إلا على مادة واحدة (131) والتي لم تشر إلا إلى بعض الإشعارات، كما أنها صرحت بإجبارية تغذية المضرب عن الطعام إذا أصبحت حياته معرضة للخطر، وهو إجراء يخالف بعض المبادئ الدولية، كما سنشير لاحقا.
وسنحاول تقديم ملاحظات تبدو لنا أساسية، على ضوء:
إعلان مالطا للجمعية الطبية العالمية بشأن المضربين عن الطعام، وقد أشرنا إليه أعلاه
إعلان طوكيو للجمعية الطبية العالمية: المبادئ التوجيهية للأطباء بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة فيما يتعلق بالاحتجاز أو السجن
وهاتان الوثيقتان يعتبران مرجعان أساسيان على المستوى الدولي فيما يتعلق بالتعامل مع حالات الاضراب عن الطعام.
المبادئ التوجيهية لإدارة الإضراب عن الطعام في السجون ، وهي عبارة عن دليل عملي لتدبير حالات الاضراب عن الطعام، وليد عمل تشاركي، بين المجلس الوطني لحقوق الانسان والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ووزارة الصحة والنيابة العامة بشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد استغرقت مدة تحضيره 5 سنوات (من 2016 إلى 2021) عقدت خلالها عدة لقاءات ومشاورات بين القطاعات المعنية، كان لنا الشرف في تنسيق أعمال اللجنة التقنية، الممثلة للقطاعات المذكورة، التي سهرت على إعداده. وحسب ما لدينا من معلومات، يعتبر هذا الدليل النموذج الوحيد، المتعلق بتدبير الاضراب عن الطعام، على المستوى الدولي.
• الاشعار عن الاضراب عن الطعام:
لقد جاء في الفقرة الأولى والثانية من المادة 122: ” يُشعر المعتقل إدارة المؤسسة السجنية بدخوله في إضراب عن الطعام بواسطة تصريح يوقع عليه وﻴﺒﻴﻥ ﻓﻴﻪ دواعي الإضراب.
يعتبر أيضا مضربا عن الطعام المعتقل الذي يمتنع عن تسلم الوجبات الغذائية اليومية لأكثر من 72 ساعة متواصلة.”
إن ما جاء في بداية هذه المادة ليعتبر تحولا جوهريا فيما يتعلق بالإشعار عن الاضراب عن الطعام، من ناحية، لأن قانون 98-23 السالف الذكر لم يحدد كيفية الإشعار عن الاضراب، ومن ناحية أخرى لم تكتف المادة بالاعتماد عن الاشعار المكتوب، بل أضافت معاينة الاضراب لمّا يتوقف المعتقل عن تناول وجباته مدة 72 ساعة. وهو ما يعتبر تعامل المادة مع واقع الساكنة السجنية التي قد لا تكون كلها لها إمكانية الاشعار كتابة (عدم توفر مواد الكتابة مثلا) أو لأن بعض المضربين قد يرفضون الاشعار كتابة لأسباب تهمهم. ونعتبر ان هذا الاجتهاد من حسنات المقترحات التي جاءت في المبادئ التوجيهية لإدارة الاضراب عن الطعام في السجون .
• حرية المعتقل في الاضراب عن الطعام:
جاء في الفقرة الثالثة: “تقوم إدارة المؤسسة السجنية بالمساعي اللازمة من أجل إقناع المعتقل بالعدول عن الإضراب عن الطعام.”
لا يمكن أن نشك في الدواعي الحسنة إلى محاولة إقناع المعتقل بالعدول عن الاضراب عن الطعام. إلا انه فيما يتعلق بهذا الموضوع لابد من الاقتناع انه أولا وقبل كل شيء قرار فردي تتحكم فيه حرية المضرب بناء على أسباب تهمه. وبالتالي كل محاولة لإقناعه من أجل الاقلاع عن الاضراب، دون الأخذ بعين الاعتبار دواعي اضرابه، قد يعتبر تدخلا في حريته. وهذا ما صرحت به المبادئ التوجيهية لإدارة الإضراب عن الطعام في السجون . كما أن هذه المبادئ قد اقترحت مخططا حول مراحل التفاعل الإيجابي من طرف مسؤولي المؤسسة السجنية، والتي تتمثل في:
معرفة دواعي الاضراب عن الطعام؛
التأكد من ان هذا الاضراب لم يكن نتيجة ضغوط خارجية؛
محاولة إيجاد حل في حدود الإمكان؛
تسجيل المعتقل في لائحة المضربين عن الطعام ؛
لهذا نقترح إعادة صياغة هذه الفقرة كالتالي:
” تحترم المؤسسة حق المعتقل في الاضراب عن الطعام وتفتح حوارا معه حول دواعي اضرابه”
ويجدر بنا أن نضيف أمرا آخر له أهميته لما يتعلق بإضراب عن الطعام في أماكن الحرمان من الحرية، ألا وهو الضغوط المحتملة، التي قد تكون باسم مصلحة المعتقل، كما قد تكون تصرفات فردية من طرف أحد الموظفين من أطر الحراسة أو المصلحة الطبية. لهذا وجب التنبيه إلى ضرورة التأكيد على منعها، كما صرح به إعلان مالطا في الفقرة 16 .
لهذا نقترح إضافة فقرة توضح منع الاجبار على التغذية ومنع كل أنواع الضغوط على المضرب من أجل ثنيه عن إضرابه، على غرار ما جاء بالفقرة 16 من إعلان مالطا:
” يمنع الضغط على المضربين عن الطعام من أجل وقف إضرابهم. ولا يمكن أن يكون العلاج والرعاية مشروطين بإنهاء إضرابهم عن الطعام. كما يمنع كل تقييد مثل تكبيل اليدين أو أي نوع آخر من الإكراه الجسدي، أو العزل الغير المبرر.”
• إخبار المجلس الوطني لحقوق الانسان ومحامي المعتقل:
جاء في الفقرة الرابعة: ” يخبر مدير المؤسسة فورا الإدارة المكلفة بالسجون والسلطة القضائية المختصة وعائلة المعتقل المعني بإضرابه عن الطعام.”
من الضروري إخبار الجهات المذكورة في هذه الفقرة لأهمية الأدوار التي يمكن أن تقوم بها. إلا ان المبادئ التوجيهية التي أقرتها كل الهيئات المشاركة في تحريرها دعت إلى إخبار المجلس الوطني لحقوق الانسان وكذا محامي المعتقل إذا توفر .
لهذا نقترح إضافة المجلس الوطني لحقوق الانسان والمحامي إلى هذه الفقرة:
” يخبر مدير المؤسسة فورا الإدارة المكلفة بالسجون والسلطة القضائية المختصة وعائلة المعتقل المعني بإضرابه عن الطعام. كما يقوم المدير بإخبار المجلس الوطني لحقوق الانسان ومحامي المضرب عن الطعام.”
• منع الاجبار على التغذية:
لم يذكر المشروع مادة تفيد إجبار المضرب على التغذية، كما هو الحال في قانون 98-23، الذي ذكر في مادته 131، المشار إليها أعلاه: ” يمكن إجبار المعتقل على التغذية إذا أصبحت حياته معرضة للخطر وذلك بناء على تعليمات الطبيـب وتحت مراقبته.” وإلغاء المشروع لهذه الاجبارية يعتبر كذلك تقدما ملموسا في الدفاع عن حقوق السجينات والسجناء، والاضراب عن الطعام يعتبر من حقوقهم. إلا أننا نرى انه لابد من تأكيد منع الاجبار على التغذية، من أجل درء كل احتمال أو اجتهاد بدوافع حسنة. وهذا ما أكد عليه إعلان ماطا للجمعية الطبية العالمية في فقرته الرابعة وفي الفقرة 16 ، وكذا ما جاء في الفقرة 8 من إعلان طوكيو لنفس الهيئة الطبية .
• العناية بعد توقيف الاضراب:
ذكرت الفقرة الأخيرة من المادة 122 بعض الإجراءات بعد توقيف المعتقل إضرابه عن الطعام:
” تسري الإجراءات المنصوص عليه في الفقرتين الأولى والرابعة أعلاه عند إنهاء المعتقل إضرابه عن الطعام.” إلا أنها لم تُشِر إلى أمر بالغ الأهمية، ألا وهو العناية اللازمة، من حيث استئناف التغذية، لمن توقف عن الأكل لمدة معينة، أكد عليها إعلان مالطا في الفقرة 22 . وكلما طالت المدة إلا ووجب أخذ احتياطات إضافية، كما هو مبين في عدة مراجع متخصصة، لخصتها المبادئ التوجيهية لإدارة الإضراب عن الطعام في السجون .
لهذا نقترح إضافة فقرة بخصوص العناية لما بعد التوقف عن الاضراب عن الطعام، بناءً على تعليمات إعلان مالطا:
” عندما يكون المريض قادرًا جسديًا على بدء التغذية عن طريق الفم، يجب اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة المذكورة في أحدث الإرشادات المتعلقة بإعادة التغذية.”
* خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية.
رئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان